مـأزق الـحـوار الوطنـيّ الفلسطينـيّ
- 3 فبراير 2009
ما زالت الجهود التي تبذل على مستويات مختلفة، من أجل دفع الحوار الوطنيّ الفلسطينيّ إلى الأمام، وبناء جبهة وطنيّة فلسطينيّة واحدة تضمّ كلاً من "فتح" و"حماس"، تواجه المشكلات والعقبات والتعقيدات، ففي الوقت الذي برزت فيه بعض المؤشرات المشجّعة بشأن الحوار الوطنيّ، جاء حديث "حماس" عن مرجعيّة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، ليوتّر الأجواء، ويضع جهود التقارب بين"فتح" و"حماس" أمام نفق مغلق، بعد أن أكّد الرّئيس الفلسطينيّ، محمود عباس، أنّه لا حوار مع "حماس"، إلا باعترافها بمنظّمة التحرير. إضافة إلى ذلك، فإنّ الخلافات الدّاخلية، في "فتح" و"حماس"، والتباينات الإقليميّة ذات العلاقة بالقضيّة الفلسطينيّة، وتباعد وجهات النّظر بين القوى الفلسطينيّة المختلفة حول الكثير من القضايا التي تتعلّق بحاضر القضيّة ومستقبلها، تمثل عوامل إضافيّة تعوق الحوار الوطنيّ، وتضع أكثر من عصا في عجلته.
المثير أنّ هذا يحدث في الوقت الذي تدفع فيه كلّ الاعتبارات الموضوعيّة إلى التوافق الفلسطينيّ، مهما كانت الخلافات والصراعات، فهناك إدارة أمريكيّة جديدة تؤكّد اهتمامها بعمليّة السلام، وأرسلت مبعوثاً إلى المنطقة لاستكشاف المواقف والتوجّهات، وهذا يقتضي موقفاً فلسطينياً موحّداً يمكن أن يتوجه به المفاوض الفلسطينيّ إلى الولايات المتحدة والعالم، للدفع في اتّجاه تحرّك أكبر وأقوى، من أجل إنشاء الدولة الفلسطينيّة المرتقبة. وفي ظلّ الدّمار الكبير الذي خلّفه العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزة، فإنّ القطاع في حاجة ماسّة إلى إعادة الإعمار، إلا أنّ استمرار الخلافات بين "فتح"و"حماس"، التي تسيطر على غزّة، يمثل عائقاً أساسياً أمام أيّ جهود لإعادة الإعمار، أو وصول المساعدات الكبيرة، العربية وغير العربية، التي تمّ الإعلان عنها، مؤخراً، إلى المحتاجين إليها فيالقطاع، ممّن هدمت بيوتهم، وجرّفت مزارعهم، وفقدوا وظائفهم، وربّما أبناءهم وأقاربهم، ويستمرّون في دفع ثمن الخلاف بين "فتح" و"حماس". التحدّي الإسرائيليّ المتصاعد والخطِر، يمثل دافعاً قوياًلوحدة الصفّ الفلسطينيّ في مواجهته، ولعلّ من الأمور ذات الدّلالة في هذا الخصوص، أنّه فيالوقت الذي تتصارع فيه "فتح" و"حماس" على هذا النحو المؤسف، فإنّ صحيفة "هآريتس" الإسرائيليّة قالت إنّ إسرائيل تخطط لإقامة حيّ استيطانيّ جديد قرب مدينة القدس المحتلة، يربطها بمستوطنة "معاليه أدوميم"، كبرى المستوطنات في الضفّة الغربيّة، وذلك بهدف فصل القدس عن الضّفة. وهذا يعني أنّإسرائيل تمضي قدماً وبقوّة في خطّتها الهادفة إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة، وفرض الأمر الواقع على الأرض فيما يتعلّق بالقضايا الكبرى، مثل القدس والمستوطنات وغيرهما، بينما الفلسطينيّون منشغلون عن ذلك بصراعات أهليّة جانبيّة تتمنى إسرائيل استمرارها أطول وقت ممكن حتى تنتهي من إنجاز هدفها.
هناك العديد من التحديات التي تواجه القضيّة الفلسطينيّة، إلا أنّ أخطر ما يمكن أن يواجهها، هو استمرار الانقسام الداخلي بين "فتح" و"حماس"، ولهذا فإنّ المصلحة الوطنية العليا تقتضي تحركاًفورياً من أجل طيّ صفحة الخلاف والصّراع.