مستقبل الأمم المتحدة وتحولات في النظام الدولي
مستقبل الأمم المتحدة وتحولات في النظام الدولي
- 8 مارس 2003
وهناك منظمة أخرى يبدو أن مستقبلها تحيط به الشكوك ألا وهي الاتحاد الأوروبي. ففي ظل اختلافات السياسة الفردية التي تكتنف الدول الأعضاء وفي ظل نشوة الانتصار الذي حققه تداول اليورو يبدو حاليًا أن الاتحاد الأوروبي سيمضي بخطى حذرة نحو عملية تحقيق التكامل في المستقبل، ولاسيما في الفترة التي تعقب مباشرة التوصل إلى إنهاء الأزمة العراقية بطريقة ما.
وينطبق الأمر ذاته على حلف شمال الأطلسي (الناتو) فهذا الحلف الذي ظل يواجه الكتلة السوفيتية لمدة خمسين عامًا ثم تحول لإدارة أزمات جديدة في أوروبا قد شهد مؤخرًا انقسامين كبيرين وكلاهما حول تركيا. وكان الانقسام الأول قد وقع عندما رفضت فرنسا وألمانيا وبلجيكا تأييد إجراء يدعو إلى تطبيق الدفاع المشترك عن تركيا وذلك قبل التوصل إلى تسوية بهذا الشأن. أما الانقسام الثاني فقد وقع عندما رفض البرلمان التركي السماح للقوات الأمريكية بالتواجد على الأراضي التركية قبل الغزو المحتمل للعراق وهو ما أثار استياء بعض المسئولين الأمريكيين. وبصرف النظر عما سيؤول إليه هذا الصراع إلا أنه يبدو أن مستقبل الحلف ستثار حوله علامات استفهام.
ومن ناحية أخرى فقد شهدت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي شجارين علنيين بشأن القضية العراقية أولهما بين السعودية وليبيا وثانيهما بين الكويت والعراق. وبالإضافة إلى ذلك تبدو كلتا المنظمتين في الوقت الراهن مكتوفتي الأيدي فيما عدا الاتفاق على بيانات رنانة وإن كانت في واقع الأمر محدودة النتائج.
وفي خضم هذه الزوبعة المفاجئة التي تشهدها الأحداث الجارية فضلاً عن الأزمة التي تهز أركان النظام الدولي يمكن أن تظهر عواقب جمة كنتيجة لذلك. فمثلاً إذا انهارت سلطة مجلس الأمن فأين لنا بالآلية الفاعلة اللازمة لاحتواء صراعات المستقبل؟ وما هي إذًا عواقب هذه الأزمة بالنسبة للأمم المتحدة على نطاق أوسع؟ وإذا كانت منظمة الأمم المتحدة لا تستطيع أن تمنع عضوًا في مجلس الأمن التابع لها من فرض رغبته في شن الحرب وذلك على نحو أحادي الجانب تقريبًا فماذا سيمنع الدول الأخرى التي توصف بأنها جامحة المماثلة مثل كوريا الشمالية من القيام بأعمال استفزازية ؟ ومم سينبثق نظام عدالة دولي يكون من شأنه أن يقدم للمساءلة الحكام الديكتاتوريين سواء الحاليين أو المحتمل ظهورهم في المستقبل ممن يمكنهم إثارة القلاقل على الساحة العالمية؟ وفي ضوء الافتقار إلى التعاون من جانب مجلس الأمن فما هو الحافز الذي يمكن تقديمه للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة مما يحملها على الالتزام بتعليمات الأمم المتحدة فيما يختص بالقضايا الأقل أهمية مثل قضية اللاجئين والتدهور البيئي وما شابه ذلك؟ ومن الضروري في هذا الإطار الإشارة إلى أن انتهاء عهد الأمم المتحدة لا يبدو وشيكًا وإن كانت ستخور قواها. وما هي نتيجة المبادرات الهامة والناجحة (بدرجات متفاوتة) التي تمت تحت رعاية الأمم المتحدة في تيمور الشرقية والبلقان على سبيل المثال لا الحصر؟ وما هو التأثير المحتمل على الروابط الدولية المضطربة بالفعل إذا فلت جماح الولايات المتحدة لتتصرف كما يحلو لها على المسرح العالمي "كالثور الهائج". ومهما كانت النتيجة، فإن تغيرًا كبيرًا قد بدأ يطرأ على الشئون الدولية بينما يتجه العالم نحو هوة من الشكوك تتزايد عمقًا يومًا بعد يوم.