مرحلة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي
- 29 يناير 2009
الرّسالة التي وجّهها الرئيس الأمريكيّ الجديد، باراك أوباما، إلى العالم الإسلاميّ في حواره مع "قناةالعربية" مؤخراً، رسالة بالغة الأهميّة ليس لكونها تفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلاميّ فقط، ولكنّها تؤسّس بالفعل لمرحلة جديدة تعتمد على التعاون والمصالح المشتركة؛ ولا سيّما أنّ اللهجة الدبلوماسيّة التي استخدمها الرئيس الجديد هي لهجة تصالحيّة تنسجم مع متطلّبات بناء علاقات تعاون بين الطرفين، حيث أقرّ الرئيس أوباما بأنّ بلاده ارتكبت أخطاء، قائلاً "مهمتي مع العالم الإسلاميّ أنّ أوصل أنّ الأمريكيين ليسوا أعداءكم … نرتكب في بعض الأوقات أخطاء… لسنا كاملين". واعداً بمحاولة تحسين العلاقات من دون أن ينسى الإشارة إلى أنّه عاش في دول إسلاميّة، وأنّ لديه أقارب مسلمين، وهذه إشارات بالغة الأهميّة، وتعكس نمطاً مغايراً من الخطاب السياسي الأمريكيّ تجاه العالم الإسلامي، وتدلّ على حسن النوايا في إدارة العلاقات وفق أسس جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، كما قال الرئيس أوباما خلال المقابلة المتلفزة.
تصريحات الرئيس أوباما بشكل إجماليّ لم تتمحور حول إبداء حسن النوايا فقط، بل حاول من خلالها تأكيد إدراكه طبيعة الإشكاليّات وجذور الخلافات والصّراعات والتّوترات، حيث طرح بعض الأفكار والتصوّرات المبدئيّة التي يمكن أن تسهم في تمهيد الطريق، وصولاً إلى علاقات أفضل ينشدها الجميع بين الولايات المتحدة والعالم الإسلاميّ خلال المرحلة المقبلة. الكثيرون في العالمين العربيّ والإسلاميّ، يراقبون بدقة ما يصدر عن الإدارة الأمريكيّة الجديدة، ويفضّلون انتظار الأفعال لا الأقوال، ولكن من المنطقيّ الترحيب بهذا النهج الأمريكيّ الجديد، خصوصاً أن العلاقات الأمريكيّة مع العالم الإسلاميّ على أبواب مرحلة جديدة، وأن هذا الخطاب التصالحيّ يمثل خريطة طريق أو إعلان حسن نوايا لهذه المرحلة المهمّة، إيذاناً بفتح صفحة جديدة محورها التعاون المشترك، ليس من أجل ترميم ما لحق بالصورة الذهنيّة الأمريكيّة من أضرار في العالم الإسلاميّ فقط، ولكن لوضع قواعد لإدارة هذه العلاقة وفق مصالح الجانبين العربي والإسلامي أيضاً، بما يؤدّي إلى إنهاء المسبّبات التي أفرزت هذه التداعيات السلبيّة الهائلة على العلاقات.
إعلان حسن النوايا الأمريكيّ الذي ورد على لسان الرئيس أوباما يملي استحقاقات غير مباشرة على الطرف الآخر من طرفي العلاقة، وهو العالمان العربي والإسلاميّ، حيث يفترض ألا يكتفي الجميع بنظرات المتابعة والترقب، أو البقاء في خانة ردّ الفعل، بل ينبغي الإمساك بزمام المبادرة حتى لا تتكرر الإخفاقات في حل الإشكاليّات المسبّبة للتوتّر في العلاقات مع الولايات المتحدة، وألا تكتفي الدول الإسلاميّة والعربيّة بترك ساحة السياسة الأمريكيّة لجماعات الضغط المناوئة للمصالح العربية والإسلامية، بل من المأمول أن تلتئم الشقاقات والانقسامات، وأن تتّفق الأغلبيّة على رؤى استراتيجيّة مشتركة لحل الأزمات، وتسوية القضايا المصيريّة، تمهيداً لأن يتحدث العالمان العربيّ والإسلاميّ بصوت متناغم ووفق رؤية مشتركة، وأن يخرج الجميع، حكومات وشعوباً ومنظمات مجتمع مدني، من دائرة الترقب والصمت السلبيّ إلى الاشتباك والتفاعل إيجابياً مع هذا النهج الأمريكيّ الجديد، من خلال طرح التصوّرات العربيّة والإسلاميّة حيال كيفيّة إزالة أسباب التوتر.
البيئة السياسيّة الراهنة تهيّئ فرصاً رحبة لجهد أمريكي-عربي وإسلامي مشترك للبحث عن تسويات نهائيّة لجذور الصراعات والنزاعات، عبر حوار قائم على مرتكزات وأسس واقعيّة جديدة تتكئ على مصالح الطرفين، وتنبع من "إرادة التغيير" الذي تنشده إدارة أوباما، وتحتاج إليه الولايات المتحدة لترميم العلاقات مع العالم الإسلامي.