طريـق المصالحة والاسـتقرار في العراق
- 9 فبراير 2009
لا شكّ في أن انتخابات المحافظات التي شهدها العراق يوم الحادي والثلاثين من شهر يناير الماضي 2009، والنتائج الأوليّة التي أسفرت عنها، تمثّل خطوة مهمّة وكبيرة على طريق بناء العراق الجديد، المستقرّ والمتّحد. حيث جرت الانتخابات في جو هادئ وبإشراف مراقبين دوليين، وكان من الواضح خفوت الصوت الطائفي فيها، كما شاركت فيها قوى المجتمع العراقي وأطيافه كلها، على خلاف العمليات الانتخابية التي شهدها العراق منذ عام 2003. وتشير المؤشّرات الخاصة بالنتائج إلى أن العراقيين وقفوا إلى جانب توجّهات الوحدة وبدؤوا في نبذ الطائفية وعبّروا عن رفضهم إقحام الدين أو المذهب في السياسة، كما عبّروا عن رفضهم التدخّل الخارجي في الشؤون العراقية.
ولكن مع أهمية هذه الخطوة التي أشاد بها العالم ومؤسساته المعنيّة، فإنها تظلّ خطوة من بين خطوات يحتاج إليها العراق على طريق تحقيق هدف الاستقرار والمصالحة والتنمية، وهذا ما أشار إليه، بشكل واضح، الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في تعليقه على انتخابات المحافظات. العراق ما زال في حاجة إلى مزيد من العمل خلال الفترة المقبلة من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة في تاريخه، ولتكن انتخابات المحافظات وما انطوت عليه من مؤشّرات إيجابية منطلقاً وأساساً لهذا العمل. هناك حاجة إلى تجاوز النعرات الطائفية والعرقية وما يترتب عليها من محاصصات ومشروعات تهدّد وحدة العراق وأمنه واستقراره والتعايش بين قواه المختلفة، كما أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهد الوطني من أجل تحقيق المصالحة الوطنية وطيّ صفحة التوترات والصدامات، التي كانت دموية في بعض الأحيان، بين القوى المختلفة. بناء جبهة وطنية قويّة تمنع تدخل بعض القوى الإقليمية في شؤون العراق الداخلية يمثّل أولوية مهمّة يجب أن تعمل التيارات كلها على تحقيقها خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى تأكيد (مشترك ومخلص) وحدة العراق والتخلّي عن كل المشروعات المثيرة للجدل والخلاف بين أبنائه. إعادة الإعمار بعد سنوات من الصراعات والتدمير، لها أهمية كبيرة واستثنائية، لأن المواطن العراقي العادي لن يحسّ بأي تطوّر إيجابي إذا لم ينعكس على حياته اليومية. وقد شهدت عمليات إعادة الإعمار خلال الفترة الماضية الكثير من مظاهر الخلل والتعثّر، فضلاً عن المخالفات، والمأمول أن يتضامن الجميع خلال الفترة المقبلة من أجل إعمار العراق وإعادة بنائه. ما زالت قضية "كركوك" والخلافات حولها، من القضايا الخطرة التي تنطوي على الكثير من الجوانب السلبية، ولذلك فإن روحاً وطنية مطلوبة للتعامل معها خلال الفترة المقبلة من خلال الحوار والبعد عن التشنّج والاحتقان.
انتخابات المحافظات تشير إلى أن العراق وضع قدمه على أول الطريق، في مشوار طويل يحتاج السير فيه إلى جعل المصالح العراقية العليا هي المرجعية الأساسية والوحيدة للقوى والتيارات كلها داخل العراق، والتخلّي عن الطائفية المقيتة التي لم تجلب سوى الدم والخراب خلال السنوات الماضية.