سيناريوهات الحوار الأمريكي - العراقي الاستراتيجي
- 23 مايو 2020

لتشييد صرحٍ استراتيجي متوازن من شأنه إعادة هيكلة العلاقة بينهما، دخلت الولايات المتحدة والعراق في سلسلة من الاجتماعات لبحث مستقبل العلاقة بين البلدين، ولمناقشة سبل التعاون والعمل على ما يخدم مصلحة الطرفين.
أولى جولات الحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي، استهلها الوكيل الأقدم لوزارة الخارجية عبدالكريم هاشم مصطفى، الثلاثاء الماضي، مع السفير الأمريكي لدى العراق ماثيو تولر، وناقشا خلالها جولات الحوار القادمة ورؤية الجانبين لتشييد علاقة استراتيجية متوازنة، تقوم على قاعدة المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل. ولأن من شأن الحوار أن يعيد هيكلة العلاقة الأمريكية - العراقية، فيجب تسليط الضوء على مصالح البلدين والنتائج التي يسعى الطرفان للتوصل إليها لرسم معالم علاقة استراتيجية مستدامة، تخدم مصالحهما، وتساعد على إرساء الاستقرار في المنطقة.
على مر السنين، علت الأصوات المنددة بالوجود الأمريكي في العراق، مطالبة واشنطن أن تحدّ من خسائرها وتخرج كلياً، ولكن للعراق أهمية استراتيجية بالنسبة لأمريكا؛ فمن خلاله يتم ضمان الاستقرار في المنطقة، ومدّ الاقتصاد العالمي بالنفط، والحدّ من الخطر الإيراني. فحسب الرواية الأمريكية، إن من شأن الانسحاب التام من العراق أن يمكّن النظام الإيراني والإرهاب والتطرف الإقليميين، فيطالا الأمن القومي الأمريكي، ما سيسفر عن تداعيات ضخمة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
وفي خضم الحديث عن البنية التحتية السياسية العراقية التي تعد طور الإنشاء، لا بد من التطرق للتدخل الإيراني الذي عاث في البلاد فساداً، فطهران تعتبر لاعباً أساسياً في الخريطة العراقية؛ لأنها تسعى إلى استغلال العراق لتعزيز سلطتها الاستراتيجية في المنطقة، وتنميته باعتباره سوقاً لسلعها وخدماتها، فإيران لن تتخلى عن العراق طالما يعاني ضعفاً وانقساماً بين كتله.
أما الهدف العراقي الأسمى من تنظيم حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة، يكمن في إقامة علاقة دائمة بين البلدين؛ فالعراق اليوم، دولة تعاني انقساماً وتشتتاً سياسياً واجتماعياً، وتشهد عدم استقرار اقتصادي، فمؤسساتها التي أُنشئت في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003 زادت الانقسامات تفاقماً، وأصبحت عاملاً محورياً في شلل العراق على صعد عدة.
ومع مراعاة مصالح الأطراف المعنية بالحوار، فإن توقيت الدعوة الأمريكية التي تأتي في أعقاب سلسلة من الاعتداءات التي استهدفت قواتها العسكرية في العراق على يد الميليشيات الإيرانية، يميط اللثام عن السبب المباشر للمحادثات؛ وهو ضمان سلامة القوات الأمريكية في العراق. فعلى ما يبدو، أن صبر الإدارة الأمريكية حيال النفوذ الإيراني في العراق، بدأ ينفد، ما يرجح استخدام هذه الاجتماعات كورقة لطرح طلبات أمريكية على حكومة بغداد الجديدة، كضمان سلامة القوات العسكرية والسفارة والمدنيين والشركات الأمريكية في العراق، ومعرفة وضع الميليشيات الإيرانية تحت سلطة الحكومة المركزية، وغيرهما من الطلبات التي يرجح أن تستفسر عن خطوات الحكومة العراقية إزاء استعادة استقلاليتها من طهران في مجال الطاقة، وتقليص الطبيعة الطائفية في أروقتها السياسية.
ونظراً للوضع العراقي الراهن، الذي بات يترنح بين حبال الانهيار الاقتصادي وتفشي جائحة فيروس كورونا، يرى المراقبون أن العراق لا يبدو مستعداً لتحديد علاقة استراتيجية ملائمة تتماشى مع الطموح الأمريكي، فرجحوا أن ينتهي المطاف بميل كفة ميزان المكافأة والعقاب.. نحو العقاب أو الانسحاب الأمريكي من العراق. أما أسوأ السيناريوهات المطروحة للحوار بالنسبة للعراق، فهو العجز الشامل عن إنشاء علاقة مستقرة بين البلدين، ما سيؤدي إلى انسحاب القوة الأمريكية العسكرية ووقف المساعدات، أو قد يصل إلى فرض عقوبات على بغداد، ومن شأن قرار أمريكي كهذا، أن يدفع بالعراق إلى فقر مدقع، ويعزز النفوذ الإيراني، فالأخيرة ستقوم بزيادة مواردها والقوى العاملة لترسيخ نفوذها في العراق.
وانطلاقاً من هذه التوقعات، فإنه يتعين على النخب السياسية العراقية تغيير نموذجها السياسي، ليركز على الهوية والمصالح العراقية، كما على الحكومة الأمريكية وضع توقعات واقعية لما يمكن للعراقيين أن يقدموه فعلياً، فمن المنطقي توقّع الحماية لقواتها، لكن تشكيل حكومة عراقية شاملة وبعيدة عن المحاصصة وتكافح الفساد سيستغرق وقتاً. ومع ذلك، فإن التخلي عن بغداد سيأتي بنتائج عكسية، ليس فقط على العراق، ولكن على المصالح الاستراتيجية الأمريكية أيضاً.