خطر المساس بـ"الأقصى"
- 18 يونيو 2013
تزايدت التهديدات الإسرائيلية للمسجد الأقصى خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، على الرغم مما ينطوي عليه ذلك من مخاطر كبيرة، ليس فقط في إطار النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وإنما بالنسبة إلى الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها. وفي هذا السياق جاء إقدام القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، يوم السبت الماضي، على بث تقرير تسجيلي حول مراحل بناء الهيكل المزعوم والخطوات المتدرجة نحو ذلك، كشف عن وجود خرائط ومخططات تفصيلية جاهزة لهذا الهدف، وأظهر صلوات يهودية وشعائر تلمودية تقام في عدد من مرافق المسجد. هذا التقرير التسجيلي يكشف بوضوح عن طبيعة التفكير الإسرائيلي بشأن المسجد الأقصى والقدس بشكل عام، حيث تتبنى الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو مخططاً لتهويد القدس وتغيير ملامحها الجغرافية والديموغرافية، وتمضي في هذا المخطط دون توقف على الرغم من الضغوط التي تتعرض لها في هذا الشأن، والهدف من ذلك هو إخراج القدس الشرقية نهائياً من أي تسوية سلمية مع الفلسطينيين وفرض الأمر الواقع فيها، بحيث يتم قطع الطريق على أي تفكير في جعلها عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة. وبالتلازم مع ذلك، زادت وتيرة اقتحام ساحات المسجد الأقصى من قبل المتطرفين اليهود تحت حراسة الشرطة، كما تصاعدت الفتاوى الدينية اليهودية التي تجيز هذا الاقتحام للمسجد وإقامة الصلوات والشعائر اليهودية فيه.
لا يمثل المسجد الأقصى رمزاً مقدساً لدى الفلسطينيين أو العرب فحسب، وإنما لدى المسلمين في كل بقاع الأرض، ومن ثم فإن المساس به أو تهديده بأي صورة من الصور يثير مشاعر الشعوب العربية والإسلامية ويزيد من وتيرة الاحتقان والتوتر في المنطقة، ومن ثم يقلص فرص الانخراط في مفاوضات سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فضلاً عن التوصل إلى نتيجة إيجابية فيها، ولذلك فان أي مساس بـ "الأقصى" سيكون بمنزلة لعب بالنار من قبل إسرائيل والقوى المتطرفة أو المتشددة فيها، لأن الأمر يدخل في إطار المعتقدات والمقدسات الدينية التي يُجمع العالم كله على ضرورة احترامها وعدم المساس بها حفاظاً على التعايش بين أصحاب الديانات المختلفة والسلام والاستقرار في العالم، وتفادياً للصراعات الدينية التي تؤكد التجارب التاريخية أنها تُعدُّ أخطر أنواع الصراع وأشدها دموية وتدميراً.
إن تصاعد تهديدات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى يحتاج إلى وقفة دولية جادة للضغط على الحكومة الإسرائيلية ودفعها إلى مراجعة خططها لتهويد القدس الشرقية من ناحية، وتوفير الحماية للأقصى والحيلولة دون الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال من ناحية أخرى، فضلاً عن عدم استغلال الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط لتنفيذ المخططات القديمة بشأنه، لأن من شأن ذلك أن يضع المنطقة كلها أمام وضع خطير لن تنحصر آثاره السلبية داخل حدودها.