الويب المظلم سوق رائجة للشهادات الأكاديمية المزيفة

  • 17 أكتوبر 2019

باتت الشهادات الأكاديمية المزورة من الأمور التي تؤرق الرأي العام؛ وذلك لتداعياتها الخطيرة على حاضر ومستقبل الأفراد والمجتمعات، وأثرها في تقويض جهود تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
مشكلة الشهادات المنتحَلة كبيرة بالفعل؛ إذا ما عرفنا أنها أصبحت صناعة عالمية تدرّ على المحتالين والمزورين ما يزيد على المليار دولار أمريكي سنوياً. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قد ألقت الضوء على هذه المشكلة ضمن تحقيق طويل لها، عام 2015، أكدت فيه تورط شركة باكستانية تدعى «Axact» بإدارة ما يقرب من 350 مدرسة وجامعة وهمية حول العالم، تمكنت من خلالها بيع أكثر من مئتي ألف شهادة، ابتداءً من المرحلة الثانوية ولغاية الدكتوراه، لأفراد من أكثر من 100 دولة حول العالم، وكان من بينه للأسف الكثير من الدول العربية.
ومع اختلاف الأسباب التي تدعو هؤلاء إلى السعي لمثل هذه الشهادات، سواء بعجزهم عن تحصيلها بالطرق السليمة، أو التطلع لنيل وظيفة معينة، أو السعي إلى تقلد منصب مرموق، لكن المنتحل يبقى في النهاية، ومهما كانت أسبابه، غير مؤتمَن، ويشكل تهديداً حقيقياً على بيئات العمل، وقد يؤدي الأمر إلى تقويض سمعة المؤسسة التي يلتحق للعمل لديها أو إلحاق ضرر يستغرق إصلاحه الكثير. ونذكر هنا كمثال شركة المكمّلات الغذائية الأمريكية «Herbalife Nutrition» والتي تبلغ إيراداتها السنوية نحو خمسة مليارات دولار أمريكي، حيث تعرضت لهزة ثقة عنيفة في الأسواق بعدما تبين بأن شهادة مديرها التنفيذي مزورة، وأنه لا يحمل درجة الماجستير في إدارة الأعمال كما ادعى.
ومما يسهم بشكل كبير في استمرار هذه المشكلة هو عدم قيام صاحب العمل بالتحقق من أصالة شهادة العامل لديه. وهذا صحيح في دول كثيرة، حتى المتقدمة منها، بل إن مسؤولاً بهيئة الاعتماد لشهادات التعليم العالي في المملكة المتحدة أكد بأن نحو 20% فقط من أصحاب العمل يُجْرون تدقيقاً مناسباً على أصالة مؤهلات المتقدمين لوظائفهم. ومع اعترافنا بأن الحصول على الشهادات الأكاديمية المزيفة أصبح الآن أكثر صعوبة من ذي قبل، لكن ضعاف النفوس والعزيمة، من المزورين ومن المنتحلين على السواء، لا ينفكون عن ابتكار قنوات جديدة في هذا الصدد، ومن بين هذه الطرق ما يسمى بالويب المظلم.
شبكة الويب التي نستخدمها يومياً تتكون من المواقع الإلكترونية المفهرسة والتي نصِل إليها بواسطة محركات البحث المعروفة مثل «غوغل». ومع أن هذه الشبكة تمثل محيطاً هائلاً من المعلومات، لكنها حقيقة لا تشكل إلا نحو 4% من حجم الويب الحقيقي؛ فأغلب شبكة الويب تندرج تحت ما يعرف باسم الشبكة العميقة، وهي شبكة نستخدمها باستمرار لكننا لا ندرك حقيقة ذلك؛ فمحادثات المراسلة الفورية على الواتساب مثلاً، والمعلومات الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، أو البيانات الموجودة ضمن الحسابات البنكية، أو تلك المخزنة بنظم الرعاية الصحية الرقمية هي كلها جزء من الويب العميق الذي لا نصل إليه محركات البحث. ويقع ضمن هذه الشبكة العميقة جزء خفي يدعى بالويب المظلم، ولا يمكن الوصول لمحتواه إلا عبر متصفح خاص. ولأن أغلبه غير مرئي للجهات الأمنية، فإن ذلك يجعله سوقاً رائجة للسلع والخدمات غير القانونية، وملاذاً للكثير من الإرهابيين وضعفاء النفوس ومجرمي الإنترنت. وما يهمنا الآن هو تأكيد خبراء الأمن السيبراني بأن الويب المظلم أصبح بالفعل سوقاً مزدهرة للشهادات المزورة تباع بأسعار تختلف بحسب مستوى التزوير وسمعة الجامعة، لكن غالبيتها ذات مظهر وجودة وأختام مثالية تكفي لخداع الأماكن التي تقوم بإجراء فحص سريع عليها من دون القيام بعمليات تدقيق وتحقق مع هيئات الاعتماد الحكومية في بلدانها.
ومع إدراكنا باستحالة اقتلاع كل جذور مشكلة الشهادات المزورة، فإن خط الدفاع الأول ضد هذا الوباء- يكمن كما نرى- في تغليظ العقوبات الحكومية على مرتكبيها، وفي تحميل المسؤولية القانونية لأصحاب العمل في التأكد من أصالة شهادات العاملين لديهم. وهناك أيضاً مسؤولية اجتماعية علينا جميعاً في نبذ منتحل الشهادة، بل والإبلاغ عنه للجهات الأمنية من دون تساهل؛ حتى ولو كان من أقرب الناس إلينا.

.

الفعاليات المقبلة

إصدارات