المرجعية الوطنية للعمل السياسي في العراق
- 18 أغسطس 2009
منذ أن بدأت العملية السياسية في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 3002، تحكّمت الاعتبارات المذهبية والعرقية في تشكيل كثير من التحالفات والائتلافات السياسية التي خاضت العمليات الانتخابية المتتالية، وكان لها دورها في وضع المرجعيات الدستورية والمؤسساتية للنظام السياسي، وهذا أسهم في زيادة النزعات الطائفية على الساحة العراقية وأدّى إلى بروز الكثير من الصراعات التي نالت من أهداف العملية السياسية وأثّرت بالسلب في العلاقات بين العراقيين وأعاقت التوصّل إلى حلول وطنية مُرضية لكثير من الملفّات السياسية والاقتصادية والديمجرافية التي ما زالت عالقة، فضلاً عن أنه أسهم في بروز بعض التوجّهات المضادة لوحدة العراق الإقليمية وأوجد الثغرات التي دخلت منها قوى مختلفة لتهديد الأمن والاستقرار في العراق والتدخل في شؤونه الداخلية.
من هنا تأتي أهمية تأكيدات رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، مؤخراً، بشأن العمل على عدم العودة إلى الائتلافات الطائفية والتركيز بدلاً من ذلك على إيجاد ائتلافات وطنية وتهيئة الظروف المناسبة لذلك سواء على مستوى الدستور وتعديلاته أو على مستوى إدارة العملية السياسية، كما تأتي أهمية أي تحرّك من شأنه أن يعيد تشكيل العمل السياسي على الساحة العراقية وفقاً لمعايير وطنية خالصة بعيداً عن التحزّبات الفئوية التي دفع العراق والعراقيون ثمناً فادحاً لها خلال السنوات الماضية.
لا شك في أن تجاوز النزعات الطائفية والعرقية في العمل السياسي العراقي ليس مهمة سهلة، خاصة أن هناك من يقف وراءها وعمل ويعمل على تكريسها وتعميق حضورها لأنها تحقّق أهدافه الخاصة، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن الحديث عن عملية سياسية حقيقية وإيجابية تصبّ في الصالح العام وتحقّق المصالح العليا للمواطنين العراقيين، في ظل تحكّم هذه النزعات فيها وسيطرتها عليها. لقد خبر العراقيون على مدى السنوات الماضية الآثار الخطرة للصراعات المذهبية والطائفية والعرقية في حياتهم ووحدة بلدهم، ولذلك فقد عبّروا في أكثر من مناسبة عن رفضهم العمل السياسيعلى أساس طائفي أو مذهبي وكانت انتخابات المحافظات الأخيرة مؤشراً مهماً إلى هذا الرفض، حيث تراجع التصويت على أساس طائفي بشكل واضح، ما أدّى إلى تراجع ملحوظ للأحزاب الدينية عكس رفض العراقيين لها ولأطروحاتها ذات الطابع المذهبي. ولا شك في أن توجّهات الناس تمثّل عامل دعم قوياً لأي محاولة تهدف إلى تأكيد المرجعية الوطنية كأساس لأي تحالفات أو تفاعلات سياسية في العراق خلال الفترة المقبلة.
على الرغم من مرور سنوات على بدء العملية السياسية بعد عام 2003 والمحطات العديدة التي مرّت بها، فإن الطائفية السياسية ما زالت مشكلة كبيرة تواجهها، ولذلك فإن مواجهة هذه الطائفية سواء على مستوى الأحزاب والتحالفات أو على مستوى الدستور أو على مستوى إدارة العمل السياسي، إنما تمثل مسؤولية كبرى وأساسية ليس بالنسبة إلى الحكومة فقط وإنما إلى القوى والتيارات كلها بمختلف توجّهاتها وانتماءاتها.