الـخطر الكامن في لبنان
- 17 فبراير 2009
تشير المواجهات التي جرت بين عناصر من مؤيّدي المعارضة والموالاة في أعقاب مهرجان إحياء ذكرى رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، مؤخراً، إلى أنّ مصادر الخطر ما زالت موجودة في لبنان، وأنّ الاحتقان السياسيّ والدينيّ والطائفيّ، الذي تقف وراءه عوامل واعتبارات مختلفة، لم ينتهِ على الرّغم من "اتفاق الدّوحة"، والهدوء الأمنيّ والسياسيّ الذي يلفّ المشهد اللبنانيّ خلال المرحلة الحاليّة.
لقد اعتبر وزير الداخليّة اللبنانيّ ما حدث مثيراً للقلق، ولا يبشر بالخير، مشيراً إلى أنّه "ليس طبيعياًأن تواكب أعمال الشغب كل تظاهرة تجري في البلد". كما قوبلت المواجهات بمواقف رفض من قبل الموالاة والمعارضة معاً، وهذا يعكس أمرين إيجابيين، أولهما أن اللبنانيين بمختلف قواهم يدركون خطورة أيّ أعمال عنف، مهما كانت صغيرة أو متفرقة أو فردية، وأهميّة التحّرك بسرعة لمواجهتها والسيطرة عليها ومنعها من التوسع، ثانيهما الإحساس المشترك بأنّ السّاحة اللبنانيّة ما زالت تعانيمصادر كثيرة للتّوتر والاحتقان، بحيث يمكن لشرارة صغيرة أن تشعل ناراً كبيرة يكون من الصّعب إخمادها.
حوادث العنف الأخيرة تنطوي على رسالة مهمّة إلى القوى والتيّارات كلها في لبنان، مفادها أنّ حالة الهدوء السياسي والأمني، التي تشهدها البلاد تحتاج إلى سياسات لتعزيزها وتكريسها وتحويلها إلى حالة دائمة ومستقرة وليست مؤقتة، ولعلّ أولى الخطوات الملحّة في هذا السياق تتعلّق بالحوار الوطنيّ، وأهمية نجاحه في تحقيق الأهداف المرجوّة منه، وفي مقدمتها تحقيق المصالحة الوطنيّة، ووضع الأطر والآليّات والتدابير التي تقضي على مظاهر الاحتقان بين القوى والتيّارات المختلفة، والمضيّ قُدماً في تعزيز مؤسسات الدولة الدستوريّة، ومنحها القوّة الكافية التي تجعلها المرجعيّة الأساسيّة للتوجّهات والقرارات والسياسات.
القضاء على مظاهر الاحتقان التي سببتها الأزمة السياسيّة المعقدة التي عصفت بالبلاد، يحتاج إلى الكثير من العمل والجهد، إضافة إلى الإرادة، وقد بدأت القوى السياسيّة والدينيّة اللبنانيّة تسير على هذا الطريق بالفعل منذ "اتفاق الدوحة"، لكنه طريق طويل، ومفتاح النجاح في الوصول إلى الهدف فيه هو بناء الثقة بين مختلف أطياف المجتمع اللبناني، لأنّ أزمة الثقة هي أخطر ما يواجه لبنان، وما يمكن أن يهدّد أمنه واستقراره في المستقبل.
لبنان مقبل على استحقاق سياسي مهمّ في تقرير كثير مما يتعلق بمستقبل الحوار والتعايش فيه، هو الانتخابات النيابيّة التي من المقرر إجراؤها في شهر يونيو المقبل. ولا شك في أنّ إجراء هذه الانتخابات في أجواء إيجابيّة ومستقرة من شأنه أن يمثل خطوة كبيرة وأساسيّة في تجاوز مرحلة التوتر والتأزّم والانتقال إلى مرحلة أخرى من التعايش والاستقرار، ولهذا فإنّه من المهمّ أن تقف كل القوى اللبنانيّة في مواجهة أيّ محاولة لإفساد الأجواء، أو تأجيج التوتر في لبنان قبل هذه الانتخابات، لأنّ نجاحها يصبّ في مصلحتها جميعاً، وقبلها في مصلحة لبنان الدولة والشعب والنموذج.