الخطر المتصاعد للقرصنة
- 12 أبريل 2009
على الرّغم من التّحركات والتدابير الهادفة إلى مواجهة خطر القرصنة في خليج عدن والمحيط الهندي، فإنّ هذا الخطر لا يزال يشهد تصاعداً ملحوظاًَ، فبعد فترة من الهدوء النسبيّ، عاد القراصنة بقوّة إلى اعتراض السّفن، وأخذ الرهائن، وتهديد ممرّات الملاحة البحريّة وطرق التجارة الدوليّة، حيث احتجزوا خلال الأيام القليلة الماضية عدداً كبيراً من السّفن، متحدِّين البوارج الحربيّة التابعة لبعض الدول المنتشرة في مياه المنطقة.
العمليّات الأخيرة للقراصنة تكشف عن أمرين خطِرين، أوّلهما هو الجرأة في مهاجمة الأهداف، بما في ذلك السّفن السريعة التي لم يكن باستطاعتهم مهاجمتها في السابق، وهذا يشير، وفقاً للمراقبين والمتابعين، إلى أنّ القراصنة قد عزّزوا قدراتهم بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وأصبحوا قادرين على تنفيذ عمليّات معقدة وصعبة، مستفيدين من الأموال التي حصلوا عليها من عملياتهم السّابقة. الأمر الثاني هو قدرة القراصنة على المناورة وتغيير تكتيكاتهم ومسارح عمليّاتهم وفقاً لتطوّر الظروف، حيث يلاحَظ أنّ العمليّات الأخيرة تركّزت في المحيط الهندي، وذلك بعد أن أصبح العمل في خليج عدن صعباً في ظلّ الوجود العسكريّ الملحوظ للعديد من القوى الدولية فيه، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكيّة وفرنسا وروسيا وغيرها.
إنّ هذا التصاعد في عمليّات القرصنة يشير إلى أنّ التحرّك الدوليّ في مواجهتها لا يزال غير قادر على التصدّي لها، وإجهاضها، وتأمين ممرّات التجارة الدوليّة الحيويّة مثل خليج عدن، وهذا يعود إلى أنّ هذا التحرّك لا يندرج ضمن استراتيجية دولية متسقة وواحدة من ناحية، ولا يعالج جذور المشكلة التي تتمثل في حالة الفوضى والاضطراب التي تشهدها الأراضي الصوماليّة من ناحية أخرى، ولذلك فإنّ أيّ مواجهة فاعلة لخطر القرصنة والقراصنة، لا بدّ من أن تقوم على أساسين مهمّين، أولهما التعاون العالمي التامّ، والعمل من خلال رؤية دوليّة واحدة، وتحت مظلة واحدة، من أجل تحقيق التنسيق الذي يتطلّبه إنجاز المهمّة، خاصّة أن الأمر يتعلّق بمساحة كبيرة من المياه التي يراد مراقبتها والسيطرة عليها، إذ تشير التقديرات إلى أنّ مساحتها تصل إلى نحو 2.5 مليون كيلومتر مربع، ما يتيح للقراصنة فرصة كبيرة للكرّ والفرّ، وتغيير مسارح عملياتهم باستمرار. ثانيها هو تبنّي نظرة شاملة في التعامل مع القضية تهتم بتعرّف الأسباب المؤدية إليها، وبالتالي العمل على معالجة جذور المشكلة، وعدم الاكتفاء بالتعامل مع تجلياتها ومظاهرها فقط، فلا شكّ في أنّه ما دامت الأمور غير مستقرّة في الصومال، فإنّ خطر القرصنة سيظل ماثلاً مهما كانت طبيعة المواجهة العسكريّة معه.
لقد أصبحت التجارة الدوليّة تواجه خطراً كبيراً في ضوء تصاعد القرصنة في ممرّاتها البحرية، ومن الواضح أنّ الأموال الضخمة التي يحصل عليها القراصنة جرّاء عمليّاتهم تجعلهم مصمّمين على الاستمرار والمواجهة، وهذا يجعل التعاون الدوليّ على نطاق واسع في مواجهتهم، وتبنّي استراتيجيّة تحرّك متكاملة في التعاطي مع هذه المشكلة، أمرين حتميين خلال الفترة المقبلة، خاصّة بعد أن اتضح أن الخطر يطول الجميع دون استثناء.