التضامن العربي في مواجهة التحدّيات المشتركة
- 19 فبراير 2009
لا جدال في أن الخلافات العربية-العربية التي ظهرت على السطح خلال السنوات الماضية وأخذت أشكالاً مختلفة، قد أضرّت بقضايا العرب ومصالحهم ونالت من قدرتهم على التعامل مع أزماتهم ومشكلاتهم، وحدّت من تأثيرهم في مجرى الأحداث والتفاعلات على الساحتين، الإقليمية والدولية. في هذا الإطار فإن التحرّكات العربية الهادفة إلى إعادة اللحمة إلى الصف العربي، التي تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بجهد كبير ومؤثّر فيها كما وضح من جولة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، العربية الأخيرة، تنطلق من إدراك خطورة استمرار هذه الخلافات في الوقت الذي تدفع فيه كل المعطيات والمتغيّرات المحيطة نحو التضامن والتعاون، وفي ظل مرحلة مفصلية تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص. فقد أتاحت خلافات العرب الفرصة لبعض القوى الإقليمية للتمدّد في شرايين الجسد العربي في أكثر من موقع خدمة لأهدافها الخاصة على حساب مصالح العرب وأمنهم واستقرارهم وتنميتهم، وكشفت الانتخابات العامة الإسرائيلية الأخيرة عن أن إسرائيل متّجهة في سياساتها تجاه العرب إلى مزيد من التشدّد والتطرّف خلال الفترة المقبلة، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من مخاطر كبيرة خاصة فيما يتعلّق بعملية السلام، فضلاً عن أن هناك أكثر من بؤرة توتر عربية محتقنة تشير المؤشّرات كلها إلى أنها ربما تكون مقدمة على مزيد من الاضطراب والتوتر خلال الفترة المقبلة، كما أن هناك قمة عربية في الدوحة من المقرّر عقدها في شهر مارس المقبل يتطلّع العرب إلى أن تكون استمراراً وتعزيزاً لخط المصالحات العربية-العربية الذي بدأ في "قمة الكويت الاقتصادية" الأخيرة.
من الواضح أن المنطقة كلها تشهد تحولات كبيرة، وهذا يحتاج إلى طيّ صفحة الخلافات بين العرب من أجل الاتفاق على رؤية أو استراتيجية واحدة تجاه هذه التحوّلات التي يمكن أن تغيّر الكثير من التوازنات والتحالفات الإقليمية. فلا شك في أنه من دون التضامن العربي سوف تظلّ الاختراقات الخارجية للمنطقة العربية مستمرة، ولن يكون بالمقدور بناء موقف عربي قوي يمنع نزعات التشدّد الصاعدة في إسرائيل من تهديد أمن المنطقة واستقرارها أو الانقلاب على عملية السلام والاستمرار في نهج تصفية القضية الفلسطينية، كما سيكون من الصعب صياغة مبادرات عربية فاعلة وناجحة في التعامل مع الأزمات العربية، أو التعاطي الإيجابي مع التوجّهات الدولية تجاه المنطقة.
استمرار الخلافات العربية-العربية لفترة طويلة وتدخل قوى إقليمية على الخط فيها، أسهم في تعميقها وتأجيجها وإضافة الكثير من التعقيدات والحساسيات إليها، لكن على الرغم من ذلك فإن التحديات الكبيرة والمصيرية التي تحيط بالعرب تجعل من تضامنهم الخيار الوحيد لمواجهتها والحفاظ على المصالح والحقوق العربية المشروعة من التهديد أو الضياع، وتنشيط النظام الإقليمي العربي وتفعيله وتقويته في ظل عالم تحرّكه التكتلات الكبرى، السياسية والاقتصادية.