أين مكمن الخلل في عملية التنمية بدول الخليج؟
أين مكمن الخلل في عملية التنمية بدول الخليج؟
- 7 فبراير 2010
س: ما أبرز التحديات التي تواجه أسواق العمل بدول الخليج العربية وكيف يمكن مواجهتها؟
ج: يرى د. أحمد العيسى، رئيس جامعة اليمامة بالمملكة العربية السعودية، أن توطين الوظائف وتأهيل الشباب الخليجي للدخول إلى سوق العمل أحد التحديات الأساسية، وهو ليس تحدياً جديداً، بل مطروح منذ أكثر من عشرين عاماً، وسيظل أحد المحاور الأساسية لعملية التنمية. ولكن نوعية المنافسة في سوق دول الخليج كبيرة جداً؛ بسبب الكفاءات الكثيرة الوافدة من مختلف دول العالم. ويؤكد العيسى أنه يمكن خفض نسبة البطالة، وفتح فرص للعمل أمام المواطنين من خلال تطوير أساليب التعليم وتحسينه، وتوجيه الاستثمارات إلى مجالات العمل التي يقبل عليها المواطنون.
أما د. عبيد بن محمد السعيدي، عميد كلية التقنية العليا بسلطنة عُمان، فيرى أن أبرز تحديات سوق العمل هو العدد الكبير من الباحثين عن العمل في دول المجلس. وربما تكمن المشكلة ليس في حجم فرص العمل المتوافرة، وإنما في نوعيتها. وهناك تحد آخر يتعلق بعزوف المواطنين عن الانخراط في القطاع الخاص؛ لأن هناك اعتقاداً سائداً مؤداه أن الوظيفة الحكومية مضمونة. وثمة تحد ثالث يتصل بنقص ثقافة العمل لدى المواطنين الخليجيين، ولاسيما من ناحية الانضباط والالتزام بساعات العمل. ولذلك، وبالإضافة إلى قلة تكلفتها، يفضل القطاع الخاص العمالة الوافدة. ف
أما ندى المطوع من مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية في جامعة الكويت، فترى أن أبرز التحديات التي تواجه أسواق العمل بدول الخليج العربية هو ارتباط سوق العمل بالنمو الاقتصادي المرتبط بالمورد الاقتصادي الوحيد وهو العائدات النفطية. وتؤكد المطوع أنه يمكن بناء سوق عمالة متوازن وفعّال في دول مجلس التعاون الخليجي بالاهتمام بمثلث التعليم وسوق العمل والتنمية. وهذا يعني النظر إلى التعليم نظرة شمولية؛ بحيث لا يستهدف فقط سوق العمل، إنما يكون جزءاً من العملية التنموية الشاملة، والإصلاح الإداري لسوق العمل.
س: هل يجب أن تكون سوق العمل الموجه المحوري للسياسات التعليمية؟
ج: لايرى د. العيسى تناقضاً بين أن تهتم مؤسسات التعليم العالي بالمعرفة والبحث العلمي والمشاركة في التنمية الفكرية والثقافية في المنطقة وبين أن تكون مخرجاتها ملائمة لسوق العمل؛ فالخريجون سوف يبحثون عن وظائف في نهاية المطاف. ويرى أن دور الجامعات أكبر من مجرد إكساب الطلاب المهارات التي تساعدهم على النجاح في سوق العمل؛ فهي تساهم في التنمية الثقافية والفكرية للمجتمع بشكلٍ عام. على العكس، يقطع د. السعيدي بأنه لا يجب أن تكون سوق العمل الموجه المحوري للسياسات التعليمية؛ فهناك غايات معرفية واجتماعية للتعليم. ولكن، يضيف السعيدي، كي يكون التعليم مجدياً اقتصادياً واجتماعياً، لابد من استقراء سوق العمل.
س: كيف يمكن تشخيص القيود المعيقة لملاءمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل؟
ج: يرى أحمد العيسى أن من أهم هذه المعوقات افتقاد التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي وقطاعات الاقتصاد ومؤسسات التشريع، وكذلك بين القطاع الخاص والحكومة. فيما يشير عبيد السعيدي إلى تدني مستوى الطلاب الخليجيين مقارنة بالمعايير الدولية، وإلى معوقات أخرى تتعلق بمواكبة التعليم للتطورات التكنولوجية الهائلة التي يشهدها العالم، قلة الجانب العملي في المناهج الدراسية، وعدم تعريف الطالب بالحياة العملية. أما ندى المطوع، فترى أن المعوقات الأساسية لملاءمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل تتمثل في أن التخصصات الممنوحة لازالت تنحصر في التخصصات الإنسانية؛ "فنحن بحاجة إلى تخصصات تقنية حديثة، وإنشاء كليات للمهارات الإدارية، ومؤسسات تدريب عملي للطلاب".
وفي تصور مريم لوتاه، تتلخص هذه المعوقات في أن الإصلاحات التي تطبق لا تتناسب مع احتياجاتنا ولا تعمل؛ لأن وراءها أجانب ليس لديهم معرفة بأحوال البلاد. ومن ثم، "علينا تغيير سياساتنا لتصبح أكثر ملاءمة لاحتياجاتنا، وليس للتكيف مع ضغوط خارجية".
س: ماذا عن تحديات سياسات التوطين في دول الخليج؟
وعن سياسات التوطين في قطر، يبين فيصل العمادي أنه تم اعتماد استراتجية للتقطير تدرجت من الاكتفاء بأولوية التعيين للمواطنين في وظائف محددة إلى وضع برنامج شامل للتقطير في القطاعين الحكومي والخاص. في هذا الخصوص، تم إنشاء مركز التأهيل الوظيفي عام 2009 كمركز متخصص لتأهيل المواطنين الباحثين عن عمل وفقاً لاحتياجات سوق العمل. كما تسعى الحكومة القطرية إلى تنظيم عمليات استقدام العمالة الوافدة. وتوضح ندى المطوع أن التوطين بدأ باستهداف المؤسسات الحكومية، ثم أصبح يشمل أيضاً القطاع الخاص. وهذا أمر جيد. ولكنها تخشى أن يتم الوصول إلى مرحلة التشبع: تضخم القطاع الحكومي بحيث لا يستطيع استيعاب عمالة أكثر، وشكوى القطاع الخاص من كلفة التوطين.
وتؤكد المطوع، وتتفق معها مريم لوتاه، أن كل فرص العمل يتناسب توطينها ومخرجات التعليم، والأمر طبعاً يعتمد على نوعية التخصصات الموجودة، ووجود مسؤولين عن الموارد البشرية في هذه المواقع لديهم أولوية في توظيف المواطنين. أما أحمد العيسى، فيرى أن مستوى الدخل أو العائد هو الذي يحكم توجه الشباب إلى وظائف بعينها. فغالبية المواطنين يتجهون إلى الوظائف الحكومية التي تتطلب مهارات متوسطة أو أكثر من متوسطة. أما الشريحة الدنيا من الوظائف والمتعلقة بالعمالة اليدوية والفنية، فمشكلة التوطين فيها كبيرة جداً؛ لأنها لا توفر الاستقرار أو العائد المادي المعقول للمواطنين. كما أن المنافسة فيها عالية جداً مع الوافدين.
س: كيف يمكن إصلاح التعليم في دول الخليج العربية ليصبح قاطرة التنمية؟
ج: يرى العيسى ضرورة الاهتمام بالتعليم الأساسي، وجعل الإصلاح عملية مستمرة لتطوير البرامج والخطط التعليمية جديدة. ويشير العيسى إلى أن هناك مجالين تتمتع فيهما دول الخليج بميزة نسبية يجب على القائمين على التعليم والبحث العلمي في دول الخليج التركيز عليهما، وهما صناعة النفط والغاز وتحلية مياه البحر؛ بحيث يكون الهدف هو أن تصبح دول الخليج، وبصفة خاصة السعودية، مراكز التفكير وبيوت الخبرة في هذين المجالين. وربما بهذه الطريقة يمكن البدء في تنفيذ استراتيجية التعليم. أما السعيدي فيحذر من أنه لا يمكن إصلاح التعليم بجلب قوالب خارجية وتطبيقها على واقعنا، ولا باستنساخ المعرفة وعدم إنتاجها. بل يجب على الجامعات والمراكز البحثية أن تساهم في إنتاج المعرفة في قطاعات النفط والغاز وتحلية المياه والتصحر. ويعتقد أن عملية إصلاح التعليم يجب أن تتم من التعليم قبل المدرسي، وأن تتضمن إعادة النظر في المناهج، غرس ثقافة العمل، وربط القطاع الخاص بمؤسسات التعليم.
ترى لوتاه أن أولى خطوات الإصلاح هي إعادة الاعتبار للعلم والمعرفة وللعملية التعليمية، وعدم ربطها بمتطلبات سوق العمل.
س: أين مكمن الخلل في عملية التنمية؟