
الندوة 15 الحوار الإعلامي العربي-الألماني: الإعلام وتحديات العولمة
الحوار الإعلامي العربي-الألماني: الإعلام وتحديات العولمة
- 17 - 16 مايو 2004
منذ الهجمات الإرهابية التي قام بها متطرفون إسلاميون في 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وما تلاها من حملات عسكرية شنتها الحكومة الأمريكية وحلفاؤها، ضد ما يُسمى الدول المارقة في سياق صراع لا متماثل، أصبح بالإمكان أن نلاحظ تغييراً هيكلياً في نقل أخبار الأزمات عن طريق الشبكات الإعلامية العالمية. وينطبق هذا على وجه الخصوص على قطاع التلفزيون المهيمن وعلى شبكات البث الغربية؛ مثل محطة CNN، ومحطة BBC، ومحطة ARD، ومحطة ZDF، وتلفزيون D-W TV والتي انضمت إليها الآن أسماء إعلامية جديدة تنافسها في توفير المعلومات، ممثلة في القنوات الإخبارية العربية الجديدة في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ مثل تلفزيون أبوظبي وقناة "العربية" في دبي، وقناة "الجزيرة" في الدوحة بدولة قطر.
هناك قاعدة إعلامية عربية جديدة ظلت تتكون منذ عدة سنوات في منطقة الخليج العربي، ويشار إلى هذه القاعدة باسم دوليوود "Dollywood" اشتقاقاً من اسم إمارة دبي التي تعد مركزاً تجارياً، وعلى غرار اسم "هوليوود على ضفاف النيل Hollywood on the Nile" في مصر. وترى العديد من وسائل الإعلام الغربية أن هذا الجيل الحديث من وسائل الإعلام العربية يعتبر مصدراً خارجياً موثوقاً ويتمتع بالمصداقية. ويتضح هذا من الاقتباسات والصور العديدة المنقولة من برامج القنوات العربية في وسائل الإعلام الغربية. ويوحي لنا هذا بأن هناك اختراقات للاحتكار العالمي الذي ظلت تسيطر عليه شبكات البث التلفزيوني الأمريكية والأوربية لنقل الأخبار المتعلقة بالصراعات في الشرق الأوسط والشرق الأدنى. ونتج عن ذلك تأثير هائل في الجمهور في الأمور المتعلقة بالعلاقات الدولية.
غير أن كلا الجانبين، ونعني بهما العالمين المتمثلين في الإعلام العربي الجديد والإعلام الغربي، يطرح منظوره الذاتي للصراع على خلفية قيمه الثقافية الخاصة. وغالباً ما تؤدي الرؤى المتباينة إلى احتكاكات بين الثقافات، فكثيراً ما تتبادل وسائل الإعلام العربية والغربية الاتهامات باستمالة حكوماتها لها وتسخيرها من أجل الترويج لأشياء متنوعة تتراوح من الدبلوماسية الشعبية إلى القيام بالدعاية للدولة.
وبناء على التوجهات الجديدة في وسائل الإعلام العالمية، يبدو من الملائم أن نسير على نهج التقليد المتبع في الفعاليات السابقة التي تمت في إطار الحوار الإعلامي الألماني-العربي الذي يديره معهد العلاقات الخارجية "ifa" لكي نبحث موضوع "العولمة وثقافات الإعلام" ونحلل الأسس السياسية - الثقافية للرؤى المختلفة للصراعات وتأثيرها على اختيار المضمون الإعلامي وطريقة عرضه (الأخبار على سبيل المثال).
وطبقاً للنتائج التي توصلت إليها الأبحاث في مجال علم الأنثروبولوجيا، فإن الثقافات (الحضارات) في مختلف أنحاء العالم تنحو إلى الاختلاف في نظم التواصل، على الرغم من كونها في اتصال دائم فيما بينها. فكل معلومة سواء في التواصل الفردي أو عبر وسائل الاتصال الجماهيري تكون محكومة بالثقافة. والمعلومة ليست مطلقة في حد ذاتها، بل تكتسب معناها فقط ضمن سياقها الثقافي. وتعمل السياقات الثقافية وأنظمة الاتصال المتباينة على إرساء مجموعة مختلفة من المعايير التي تعمل من خلالها وسائل الإعلام الجماهيرية المنتمية إليها. إن عالمي الإعلام العربي الجديد والإعلام الغربي لا يعملان ضمن فضاءات ثقافية مغلقة بصورة محكمة، ولكنهما يعملان ضمن السياق الثقافي لكل منهما، وبنظم التواصل الخاصة بالجمهور المستهدف من قبل كل منهما. وبناء عليه فإن القيم التي تحكم الأخبار المنقولة من قبلهما ومعايير اختيار هذه الأخبار ستكون محكومة بالموضوعية التي يقتضيها السياق.
على سبيل المثال، تستخدم العديد من وسائل الإعلام العربية الكلمة العربية نفسها للفلسطينيين الذين ينفذون العمليات الانتحارية في إسرائيل ولضحايا الصراعات المسلحة، وهي على وجه التحديد كلمة "شهيد" وجمعها "شهداء" وتعني "متوفى، غير أنها تعني أيضاً كلمة "martyr" في اللغة الإنجليزية، المقابلة لكلمة "شهيد" في اللغة العربية. ويُنظر في الغرب إلى استخدام هذا المصطلح العربي على أساس أنه يمثل انحيازاً للقضية الفلسطينية. وفي المقابل، فإن بعض وسائل الإعلام الغربية تستخدم التعبيرات الملطفة التي يشتقها العسكريون وتطلق على العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ضد من يُزعم أنهم إرهابيون فلسطينيون اسم عمليات "القتل المستهدف" بدلاً من الكلمة الصحيحة وهي "الاغتيالات". وينتج الاحتكاك بين الثقافات عن الترجمات غير الدقيقة في لغة الأخبار، ومن الانقطاع في التواصل الثقافي وفي علاقات السلطة السياسية. ويتعلق أحد هذه التناقضات في وسائل الاتصال بالسيطرة على تعريف المصطلح المقابل لظاهرة الإرهاب الدولي المنتشر، فالذي تسميه وسائل الإعلام الغربية "الحرب ضد الإرهاب"، تتم ترجمته بصورة تقريبية في وسائل الإعلام العربية بـ "حرب الولايات المتحدة ضد ما يُسمى بالإرهاب".
وتعمل بعض وسائل الإعلام المنتشرة دولياً سواء في الغرب أو في العالم العربي طبقاً لشعار "العولمة"، وتحاول فتح أسواق محلية وإقليمية جديدة واكتساب جماهير مستهدفة جديدة خارج حدود فضاءاتها الثقافية واللغوية وذلك ببث برامجها بلغات أخرى.
ومن الاستراتيجيات المتبعة أيضاً التعاون الإعلامي العابر للثقافات. وإذا أخذنا في الاعتبار نموذج محطة ARTE، وهي القناة الثقافية الأوربية، فمن الممكن أن نفكر في تأسيس محطة بث تلفزيوني أوربية - عربية عبر الحدود. وقد يساهم هذا الحوار الإعلامي الألماني - العربي المقترح في طرح أفكار لمثل هذا النوع من التبادل والتعاون.
وسيبحث هذا اللقاء أيضاً التعايش بين الضدين المتنافرين في عمليات وسائل الإعلام والمؤسسة العسكرية عند نقل أخبار الصراعات والأزمات والحروب في سياق من الرقابة والرقابة الذاتية. ومن الأمور التي تستحق المناقشة هنا المدى الذي تصل إليه وسائل الإعلام العربية والغربية من الانهماك في نقل أحدث الأخبار الطارئة حتى آخر لحظة، أو أن تختار بدلاً من ذلك نقل تقاريرها على خلفية المشكلات البنيوية المتراكمة منذ أمد بعيد في العلاقات الدولية باعتبارها الأسباب الحقيقية للنزاعات.
إن هذا الحوار الإعلامي الألماني-العربي سوف يتناول بالضرورة أوجه الاعتماد المتبادل بين عالمي الإعلام العربي الجديد والإعلام الغربي، وسيبحث التأثير الناجم عنها في نوعية النقل العالمي لأخبار الأزمات.




يَوم الإثنين 17 - 16 مايو 2004
-