يَوم الأحَد 25 أبريل 2004
-
دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة خلال الفترة 1950-1980 على تخصيص ما نسبته 70% (خفّضت في ما بعد إلى 50%) من عوائد النفط لاستثمارها استثماراً مباشراً في مختلف القطاعات الاقتصادية؛ وذلك بهدف تنمية الاقتصاد العراقي. ولقد أفضى هذا النشاط التنموي، رغم أنه أُدير على نحو غير كفء، إلى إحداث نمو حقيقي مثير للدهشة في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 8% على مدى الأعوام 1960- 1980. وقد ارتفع، نتيجة لذلك، دخل الفرد الواحد بمقدار ضعفين ونصف الضعف بأسعار عام 1980 الثابتة من 1554 دولاراً عام 1960 إلى 3985 دولاراً في عام 1980. وخلال الفترة ذاتها، ترافق هذا النمو الاقتصادي مع تراجع معدلات البطالة، واعتدال نسب التضخم، وتوسع الطبقة المتوسطة، وتحقيق فائض في الميزانيات الحكومية والحسابات الجارية، وتراكم احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية. وقد حافظ الاقتصاد العراقي على حالته الصحية هذه حتى جاء صدّام إلى السلطة وبدأ بإشعال نار الحروب. فقد كبّدت الحرب مع إيران على امتداد ثماني سنوات الاقتصاد العراقي ثمناً غالياً، ومن بين ذلك خسارة قرابة 62 مليار دولار من عوائد النفط الضائعة، واستنزاف الاحتياطي الأجنبي الذي يربو على 35 مليار دولار، وتراكم ديون خارجية بمقدار 80 مليار دولار تقريباً، وتكبد نفقات عسكرية إضافية تقرب من 105 مليارات دولار، وتدمير بنى تحتية محلية قدّرت قيمتها بـ 30 مليار دولار، وقبل هذا وذاك توقف النمو الاقتصادي . ثم جاء غزو الكويت، وحرب الخليج التي ترتبت عليه، وما يزيد على اثني عشر عاماً من العقوبات الاقتصادية، ليوقع الخراب والدمار بالعراق ويسبب انهياره اقتصادياً. وإلى جانب تدمير البنى التحتية في عموم أرجاء البلاد، فقد تضاعفت معدلات التضخم بسرعة فائقة، وانهار الدينار العراقي، وتلاشت المدّخرات، وانزلقت الطبقة المتوسطة إلى هاوية الفقر، وشهد الناتج المحلي الإجمالي تدهوراً حاداً وفقاً للأسعار الحقيقية، فتراجع من 53 مليار دولار تقريباً عام 1980 ليصل إلى ما يربو على 16 مليار دولار في عام 2002، ليترك المواطن العراقي العادي في ذلك العام في حالة من الفقر أشد من تلك التي كان عليها عام 1960. وهناك تحديات عديدة لابد من مواجهتها لإعادة بناء الاقتصاد العراقي ووضعه على طريق النمو، وفي مقدمتها إشاعة الاستقرار في كل جوانب الاقتصاد والذي يشمل تخفيض معدلات التضخم إلى نسب مقبولة، وتحقيق الاستقرار لسعر صرف الدينار العراقي. وتستلزم مثل هذه العملية تفادي حدوث عجز في الميزانية والحساب الجاري، والحصول على مقادير كافية من العملات الأجنبية من خلال الصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة ووسائل أخرى غيرها. ولا ريب في أن النفط يشكل حالياً الثروة الرئيسية في العراق والمصدر الوحيد عملياً للحصول على العملات الأجنبية، ولسوف يبقى كذلك في المستقبل المنظور. لذا، فإن من المهم جداً في هذه المرحلة إبقاء الصناعة النفطية في حالة سليمة واستئناف صادرات النفط. ومع ذلك، فإن عوائد الصادرات النفطية في حال وصولها إلى الحد الاعتيادي، سوف تنفق على تغطية تكاليف المستوردات العامة، وتمويل مشروعات الإعمار والتنمية الاقتصادية، وتأمين خدمة الديون الخارجية، ودفع تعويضات الحرب. وعلى أي حال، فإن عدم كفاية العوائد النفطية لتغطية هذه الأعباء المالية سيتطلب إعفاءً كلياً أو جزئياً من الديون الخارجية وتعويضات الحرب. ولتحسين وضعية ميزان المدفوعات، دعماً للاستقرار الاقتصادي ولعمليتي إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية في البلاد، ينبغي اجتذاب الاستثمارات الخارجية المباشرة، وإن كان هذا يستلزم توفير الظروف الملائمة لها كتأمين بيئة محلية مناسبة. ولغرض بناء اقتصاد ناجح ونشيط، تغدو خصخصة القطاع العام الذي يفتقر إلى الكفاءة أمراً لا مفر منه، و كذلك تقديم الدعم التام للقطاع الخاص ليتولى قيادة عملية التنمية الاقتصادية. وفي سياق هذه الجهود جميعاً، يظل توفير الأمن والاستقرار المحليين شرطاً مسبقاً في غاية الأهمية.
يَوم الأحَد 25 أبريل 2004
-
يَوم الأحَد 25 أبريل 2004
-