الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية

الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية

  • 23 مارس 2009

تتميز الأسس الاقتصادية الجوهرية في المنطقة عموماً بكونها أفضل مما هي في بقية أنحاء العالم. ويبلغ إجمالي عدد سكان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية زهاء 35 مليون نسمة تدعمهم أصول أجنبية بقيمة 1.2 ترليون دولار أمريكي، مما يتيح لحكومات دول الخليج إمكانية تنفيذ سياسات مالية إنفاقية واسعة.

إلا أن تلك الدول الخليجية الأكثر اندماجاً بالاقتصاد العالمي والتي تتميز أنظمتها المالية بارتفاع معدلات القروض بالنسبة إلى الودائع، تتأثر بالأزمة أكثر من غيرها (دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، مثلاً، تتأثران أكثر من المملكة العربية السعودية). وقد تحطمت الأسطورة القائلة بأن المنطقة منفصلة عن بقية أنحاء العالم، وعلى العكس من ذلك فقد تأثرت كثيراً بما يحدث في أماكن أخرى من العالم.

إن الأسواق العالمية هي التي تحدد أسعار الصادرات الرئيسية للمنطقة (كالنفط والبتروكيماويات والمعادن...الخ). وواقع العملة الخليجية التي ترتبط بالدولار الأمريكي وتتبعه منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، يعني وجود عوامل خارجية المنشأ ليست في نطاق سيطرتنا، وتحدد سعر الصرف وأسعار الفائدة المحلية بشكل رئيسي. وفوق كل ذلك، تعتبر المنطقة لاعباً نشطاً في الأسواق المالية العالمية. وتشير التقديرات إلى أن قيمة الأصول الأجنبية التي تمتلكها القطاعات الخاصة في المنطقة تبلغ 1.8 ترليون دولار أمريكي؛ وبالتالي فإن الخوف والذعر الذي ينتاب العالم يؤثر علينا هنا. وإذا انخفض أداء محفظتنا الاستثمارية في الخارج، فإننا نميل إلى تقليل تعرضنا للخسارة  في أسواق الأسهم المحلية.

نتوقع  أن يبلغ معدل سعر النفط الخام الأمريكي الخفيف (WTI) 40 دولاراً أمريكياً للبرميل هذا العام، ونتوقع أن يكون هو السعر  المعتمد في الموازنة السعودية لعام 2009. وقد تنخفض أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً أمريكياً إذا ما تعززت مكانة الدولار الأمريكي مقابل اليورو، ولنقل بالنسبة لقوته الشرائية التي تساوي 1.18 دولار أمريكي؛ ونحن نعاني تباطؤاً أكبر من المتوقع في الدول الصاعدة وخاصة الصين (يبلغ النمو 3% بدلاً من المفترض وهو 8%).

وبعد معدلات النمو الفعلي القوية للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% فما فوق خلال فترة الانتعاش الاقتصادي الممتدة من عام 2002 إلى عام 2008، فإن النمو لهذا العام سيكون إما منخفضاً أو سلبياً. ومن المتوقع أن يكون معدل النمو عام 2009 في المملكة العربية السعودية -1.5%؛ وفي الكويت -1.8%؛ وفي دولة الإمارات العربية المتحدة 0.5%؛ وفي سلطنة عُمان 1.2%؛ وفي مملكة البحرين 1.5%. وفي قطر فقط سيكون معدل النمو أعلى وسيبلغ 10% بالمقارنة مع 19% في عام 2008، حيث يتوقع أن تضاعف قطر إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بحلول نهاية عام 2009.

ومن المتوقع أن تكون معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي في قطاعات النفط سلبية لهذا العام بسبب انخفاض الإنتاج، ولاسيما في المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. وسيبقى نمو الناتج المحلي الإجمالي للقطاع العام إيجابياً نظراً لموازنات عام 2009 الإنفاقية المدعومة بأصول أجنبية قيمتها 1.2 ترليون دولار أمريكي. ومن المحتمل أن يستمر تمويل مشاريع البنى التحتية (النفط والغاز، والماء والكهرباء، والموانئ، والمطارات، والاتصالات، والتعليم، والرعاية الصحية، والمدن الاقتصادية)، ولو بخطى أبطأ مما كان متوقعاً في السابق.

وسيتباطأ النمو في الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص إلى حد كبير. وهناك العديد من العوامل التي تساهم معاً في ضعف النمو، كانخفاض معدلات الإقراض وزيادة قيود الائتمان، وانخفاض الطلب المحلي (لأن المزيد من الوافدين يغادرون المنطقة) وانخفاض الصادرات غير النفطية (البتروكيماويات، مثلاً)، بسبب ضعف الطلب العالمي وارتفاع أسعار صرف الدولار. فالشركات والأفراد في دول مجلس التعاون يخفضون استثماراتهم ونفقاتهم بسبب الأزمة المالية المحلية والانخفاض الشديد في ثقة المستهلكين والشركات.

وتجري حالياً مناقشات علنية للحمائية والانكماش الاقتصادي وتراجع منطقة اليورو، وقد يكون لها أثر عميق على المنطقة. ومن المتوقع أن ينعكس الانكماش سلبياً على أسعار السلع بما فيها النفط. كما أن جو الكآبة المخيم على الأسواق المالية العالمية سينعكس سلبياً على أسواق الأسهم في المنطقة وعلى أسعار النفط، مما سيجعل المنطقة أكثر تأثراً بما يحدث عالمياً. وكما هي الحال في أماكن أخرى من العالم، يجب أن نشهد زيادة في الملكيات العامة ودوراً أكبر للحكومات. وما يثير القلق هو أن هذا الوضع قد يرجح كفة ميزان القوى لصالح "الحرس القديم" الذي يدعو إلى زيادة سيطرة الحكومة، مما سيقوض عملية التحرير والإصلاح.

لقد وضعت هذه الأزمة رؤية دبي الجريئة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط واجتذاب المؤسسات والمواهب العالمية، على المحك؛ ولكن اعتمادها المفرط على الديون وتركيزها على القطاع العقاري، الذي تقوده المضاربات، أثار تساؤلات حول استراتيجية التنمية التي تطبقها دبي. 

.

المحاضر

يَوم الإثنين 23 مارس 2009

-

يَوم الإثنين 23 مارس 2009

-