يَوم الثلاثاء 6 يناير 2004
-
ما يزال الإسلام السياسي أقوى قوة سياسية في معظم دول العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، وليست هناك حركات سياسية قوية منافسة له. وهو يستمد قوته من عوامل مختلفة عدة كالعوامل الدينية والوطنية، وطابع الهوية والاتجاهات الإصلاحية.
إن الإسلام دين، ولكن الإسلام السياسي عبارة عن السعي لتطبيق أفكار من القرآن الكريم والحديث النبوي على الحكومة والمجتمع الإسلاميين. وليس هناك إجماع بين المسلمين حول ما يعنيه ذلك في الواقع العملي. وليس الإسلام السياسي حركة واحدة متناغمة، وإنما هو عبارة عن طيف من الحركات التي تمتد من المحافِظة إلى الليبرالية، ومن العنيفة إلى المسالمة، ومن التقليدية إلى المعاصرة، ومن المنفتحة على الطوائف الدينية الأخرى إلى المنغلقة على نفسها. وعزز من وجود الإسلام السياسي غياب المجتمعات المنفتحة والديمقراطية في القسم الأعظم من العالم الإسلامي. فعندما لا تسمح النظم الحاكمة بوجود أحزاب سياسية، تستطيع الحركات الإسلامية، برغم ذلك، العمل داخل المسجد، وتقوم بتشكيل حركات معارضة.
لقد شعر العالم الإسلامي بأنه محاصر من قبل الغرب لقرون عدة، وما يزال هذا الوضع سائداً حتى اليوم. فالمسلمون يبحثون عن طرائق لتعزيز مجتمعاتهم وثقافاتهم وهوياتهم والعثور على صيغ سياسية جديدة لتحقيق ذلك. لقد أسهمت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 في زيادة التوتر بين العالم الإسلامي والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. كما خلفت الحرب العالمية ضد الإرهاب انطباعاً لدى كثير من المسلمين بأن الحرب على الإرهاب إنما هي في الحقيقة حرب على الإسلام. ويشجع المتطرفون في كلا الجانبين هذه الفكرة. ويسعى تنظيم "القاعدة" لاستقطاب العالم بين المتطرفين من المسلمين والغرب، وقد حقق بعض النجاح في ذلك. والواجب على المسلمين والغربيين التفكير في طريقة للتصدي لهذا التحدي من تنظيم "القاعدة".
أتاحت الحرب في العراق التي أطاحت بصدام حسين فرصة كبرى جديدة أمام العراقيين لتطوير مستقبلهم وفقاً لإرادة الشعب. غير أن هذه الحرب تسهم في الوقت نفسه في استقطاب المجتمع العراقي أيضاً. وقد أسهم ظهور جماعات مقاومة مسلحة مختلفة تشارك في مقاومة الاحتلال الأمريكي في فتح الأبواب أمام الكثير من جماعات الجهاد الدولية والقوى المتطرفة العراقية لكي تتعاون ضد الوجود الأمريكي. وإذا ما شوهدت الولايات المتحدة الأمريكية وهي تنسحب من العراق تحت تأثير ضغط هجمات المقاومة فسوف يكون ذلك انتصاراً كبيراً لوجهة نظر المجاهدين في العالم. وهناك فرص ضئيلة أمام القوى المعتدلة في العالم الإسلامي لأن تزدهر في بيئة تسودها الحرب وأعمال المقاومة المسلحة والتوترات السياسية والقمع الداخلي. والمستفيد الأعظم هو الجماعات المتطرفة.
لقد اتسعت الهوة بين الحاكم والمحكوم في معظم أجزاء العالم الإسلامي، فأدى ذلك إلى أوضاع أكثر تفجراً؛ حيث أصبح الناس فيها مستاءين من نظمهم الحاكمة ومن الضغوط التي يمارسها عليهم الغرب بهدف التغيير. وهم يدركون أن التاريخ مليء بأشكال الدعم الغربي لحكم الفرد المطلق في المنطقة. وتتمثل التحديات أمام المسلمين في تحقيق الانفتاح، وإصلاح نظمهم السياسية والاقتصادية، وتشجيع قوى الاعتدال. والإسلاميون بشكل خاص يحتاجون إلى مناقشة المستقبل الذي يرغبون في أن يروه يتحقق في العالم الإسلامي. فهل سيكون الفكر المعادي للغرب القوة الأيديولوجية المهيمنة؟ عندما ينظر أتباع الأديان إلى الأديان والثقافات الأخرى، يمكنهم التركيز إما على نقاط التشابه والالتقاء، وإما على نقاط الاختلاف فيما بينها؛ ويمكنهم أيضاً التركيز على التعاون أو على المواجهة فيما بينهم. والإسلاميون يواجهون هذا الخيار اليوم، فما نوع القيم الإسلامية التي يرغبون في التركيز عليها أو تأكيدها؟
إن الديمقراطية لا تمثل الحل الأمثل لمشاكل العالم الإسلامي، غير أنها أفضل الحلول للمشاكل الحالية. ويتطلب التطبيق الناجح للديموقراطية سنوات عدة وكثيراً من الخبرة، كما يتطلب بيئة سلمية، حيث لا يسود السلام في المنطقة في الوقت الحاضر. كما أن قدرة الأفراد على التعبير عن إرادتهم ستؤدي إلى ضعف المتطرفين في الإسلام السياسي. وإن تلقى المتطرفون الدعم من الناس في البداية، فليس بإمكانهم الاحتفاظ بهذا الدعم إذا لم يكن لديهم حلول تلبي حاجات الناس ومتطلباتهم. وسوف يسهم المزيد من تطبيق الديمقراطية في إضعاف التفسيرات المتطرفة للإسلام، وفتح المجال للحوار بين المسلمين حول كيفية التوصل إلى فهم معنى الإسلام في وقتنا الحاضر.
يَوم الثلاثاء 6 يناير 2004
-
يَوم الثلاثاء 6 يناير 2004
-