يَوم الأحَد 3 مارس 2013
-
يمكن فهم الاستراتيجية، كحقل في مجال العلوم الإنسانية وفي مجال العلاقات الدولية تحديداً، على أنها "فن" و"علم" تطوير واستخدام القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية لدولة ما بصورة منسجمة مع توجيهات السياسة المعتمَدة فيها؛ لخلق تأثيرات ومجموعة ظروف تحمي المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وتعززها مقابل الدول الأخرى، أو الأطراف الفاعلة الأخرى، أو في مجابهة المستجدات. وتسعى الاستراتيجية إلى إيجاد التآزر والتناسق والتكامل بين الأهداف، والطرائق، والموارد؛ لزيادة احتمالية نجاح السياسة، والنتائج الإيجابية التي تنجم عن ذلك النجاح. فهي عملية تسعى إلى تطبيق درجة عالية من العقلانية والاتساق لمواجهة ظروف قد تحدث، وقد لا تحدث. وعلى الرغم من تعقيدات هذه المهمة، فإن الاستراتيجية تحققها من خلال عرض مبرراتها ومنطقها في مصطلحات عقلانية ومتسقة، يمكن وصفها ببساطة بأنها غايات وطرائق ووسائل. وأفضل طريقة لفهم الاستراتيجية هي وصفها بأنها دليل سياسي لبلوغ الوضع المنشود.
وأتفق كلياً مع المختصة جوزيفا لاروش حينما تشير إلى أن الباحث يخطئ عندما يظن أن العلاقات الدولية يمكنها أن تُدرس ويكتب عنها بصفة منفردة: فأي تصور دولي هو جزء من العلوم الإنسانية والسياسية؛ وأي جهل لهذا المنطق قد يؤدي إلى جعل البحث مبتوراً يفتقر إلى كل معاني المصداقية، ويقوم بإفقاره ويجعله عبارة عن دراسات عامة ووصفية إن لم نقل صحفية. فصعود فاعلين جدد في الشؤون الدبلوماسية والسياسات الخارجية يفرض علينا ليس فقط الاتكاء على ضرورة تداخل عمل المختص في التاريخ، والعلوم السياسية أو العلاقات الدولية أو العلوم الإنسانية، وإنما التطبيق الجذري للسوسيولوجيا الفيبرية [نسبة إلى عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر] على ما هو عالمي.
ومن بين أهداف الاستراتيجية التنظير الذي يمكن أن يساعدنا على توسيع تفكيرنا وتنظيمه. وأستحضر هنا كلمات كارل فون كلاوزفيتس [المنظِّر العسكري البروسي] عندما يكتب عن النظرية من حيث إنها يجب أن تكون مخصَّصة للدراسة وليس لتبنيها من حيث هي عقيدة، وحينئذٍ تصبح النظرية دليلاً لكل شخص يريد أن يتعلم من خلال الكتب؛ فهي تنير طريقه، وتسهل تقدمه، وتدربه على الحكم السليم، وتساعده على تجنب المأزق. وتتكون النظرية بحيث لا يحتاج المرء إلى البدء من جديد كل مرة للتعرف على المسألة وتحليل تفاصيلها، بل يجدها جاهزة بين يديه، ووفق ترتيب جديد. والغاية منها تدريب عقل المرشح ليكون قائداً في المستقبل.
كيف يمكن أن نفكر استراتيجياً ونصوغ الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين؟ هذا يعني تثقيف العقول بعيداً عن البساطة. والتفكير الاستراتيجي والتنظيري عمل صعب، وإلا لماذا تخفق الاستراتيجيات الحكومية العديدة في اجتياز اختبار الواقعية وتحقيق النتائج الملموسة عند تنفيذها؟ ولماذا تنجح الاستراتيجية الاقتصادية في الصين وكوريا الجنوبية وتخفق تلك التي تُطبق في اليونان وإسبانيا وإيطاليا مثلاً؟
فالاستراتيجية علم وفن، وهي تستلزم من صاحبها الإلمام بكل التفاصيل الموجودة في الواقع، الظاهرة والباطنة؛ وتفاصيل العالم الحديث واختلافاته، وخاصة إذا أُخضعت لعملية مؤسساتية أو حوار فكري وطني، بل وعالمي، وهي مسألة شديدة الأهمية.
فيديو المحاضرة
يَوم الأحَد 3 مارس 2013
-
يَوم الأحَد 3 مارس 2013
-