"الإمارات للدراسات" يناقش آفاق العلاقات الإماراتية-الأمريكية ضمن سلسلة محاضرات "مفكّرو الإمارات"
- 21 أبريل 2022





عقَد مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية محاضرة بعنوان "آفاق العلاقات الإماراتية-الأمريكية في ظِلّ بيئة استراتيجية جديدة"، ضمن سلسلة محاضرات "مفكّرو الإمارات"، وذلك يوم الأربعاء 20 إبريل، في قاعة الشيخ زايد بمقّر المركز في أبوظبي، ألقتها الدكتورة، إبتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، حيث أشارت إلى أنّ موضوع العلاقات الإماراتية-الأمريكية يشغل بال الكثيرين، بالنظر لِما تشهده العلاقات الإماراتية-الأمريكية من تحولات مهمة، في ظِلّ تباين جليّ للمصالح والأولويات بين الطرفين برز بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة.
وأكدت "الكتبي" في معرض تحليلها لواقع العلاقات الإماراتية-الأمريكية أنّ الحرب في أوكرانيا أبرزت حالة التوتر في هذه العلاقات، ولكن الحقيقة أنّ هناك عوامل متراكمة صنعتْ في مجملها مثل هذا التوتر في عهد الإدارة الأمريكية الحالية، ومن ذلك: أولًا، عدم اليقين بشأن استمرار التزام واشنطن بالأمن الإقليمي، ومواجهة تحدّيات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، التي تمثّلها الميليشيات المتحالفة مع إيران؛ وفي ظِلّ عودة محتمَلة للاتفاق النووي من دون ضمانات لمعالجة هذه التهديدات. وثانيًا، أنّ بعض البرود في العلاقات مرتبط بسياق سياسة الانتخابات الأمريكية في ضوء قرار الرئيس جو بايدن مناهضة نهج الرئيس السابق دونالد ترامب. وثالثًا، أنّ هناك تباينًا في الموقف والمصالح بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات إزاء العلاقات مع الصين وروسيا، وظهر ذلك في أزمة أوكرانيا، وملفّ الطاقة؛ كما ظهر في موضوع استخدام دولة الإمارات تقنيات اتصالات الجيل الخامس (5G) الصينية، والاندماج في مبادرة "الحزام والطريق".
وتحدّثت "الكتبي" بشكل مفصّل عن موقف دولة الإمارات من الحرب الروسية-الأوكرانية، فقالت إنّ هذا الموقف تميّز بالعقلانية والواقعية، حيث إنّ الدولة حاولت منذ البداية تجنّب حالة الاستقطاب التي أفرزتها الحرب على الصعيد الدولي ما بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية وروسيا وحلفائها من ناحية أخرى. كما أنّ الإمارات رفضت تسييس ملف الطاقة، وظلّت تدعو إلى تخفيف التوتر وتشجيع جهود الوساطة ودعم الحلول السلمية، وبقيت على تواصل دائم مع أطراف الأزمة كلّها، من أجل وضع نهاية لهذه الحرب، التي تمثّل تهديدًا كبيرًا لاستقرار العلاقات الدولية والتعاون الدولي المطلوب لمواجهة الكثير من المشكلات المعقّدة التي يعانيها العالم خلال المرحلة الحالية.
وقالت "الكتبي" إنّه يجب التأكيد أن الحرب الروسية-الأوكرانية أبرزت دور منطقة الخليج كمورِّد رئيسي للطاقة، وهو ما يضيف إليها المزيد من الثِّقل الاستراتيجي، الذي من الضروري توظيفه بشكل جيّد لمصلحة دول هذه المنطقة في ظِلّ عالم يزداد تعقيدًا وتشابكًا في المصالح والأولويات. وأضافت الكتبي أنّه على الرغم من وجود نوع من التراجع في النموذج الديمقراطي الأمريكي، فإنّ الولايات المتحدة تظلّ قوة دولية هائلة على المستويات كافّة. والتعاون معها وفقًا لأُسس تراعي مصالح الإمارات يعدّ ضرورة أساسية، مؤكّدة أنّ منطقة الخليج لا تستطيع الاستغناء عن الولايات المتحدة، واستبدالها بروسيا أو الصين، والولايات المتحدة لا يمكنها الاستغناء عن دول هذه المنطقة.
وتطرّقت "الكتبي" إلى أربعة سيناريوهات لمستقبل العلاقات الإماراتية-الأمريكية: أولها، استمرار الوضع الراهن؛ ما يعني أنّ الخطوات التي اتخذتها إدارة بايدن بشأن طمأنة الإمارات إزاء التهديدات الإقليمية ليست كافية، وأنّ الرسائل الودّية بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة لم تصبّ في سبيل التأسيس لمرحلة جديدة من التعاون المشترك. وثانيها، سيناريو توسيع الإطار الاستراتيجي للعلاقات بين الطرفين؛ ما يعني إعادة تعريف هذه العلاقات على نحو يأخذ في عين الاعتبار مصالح وأولويات كلٍّ منهما، ويتطلّب هذا السيناريو وجود تواصل مستمرّ بين حكومة الدولتَين على مستوى المؤسّسات، ويتضمّن بالضرورة قيام الولايات المتحدة بدورٍ حيوي في تعزيز القدرات العسكرية لدولة الإمارات، من خلال تزويدها بأنظمة إنذار مبكّر للتعامل مع التهديدات المحتمَلة بشكل مسبق، وتزويدها كذلك بأنواع متطورة من الطائرات المسيّرة، ومن المهم على نحو خاص إعادة تفعيل صفقة مقاتلات "إف-35". أمّا السيناريو الثالث، فينصرف إلى عقد معاهدة دفاعية بين الدولتَين، على غرار المعاهدات الدفاعية التي عقَدتها واشنطن مع دول عدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومشكلة هذا السيناريو أنّه يتطلب موافقة ثلثَي أعضاء الكونغرس الأمريكي، وهذا الأمر قد لا يتوافر بسهولة في ظِلّ تقلب موازين القوى بين الديمقراطيين والجمهوريين. ويتمثّل السيناريو الرابع في إقامة مظلة دفاعية إقليمية، وثمّة حديث طويل في عدد من مراكز الدراسات الاستراتيجية حول هذه الفكرة التي تعود إلى عصر ترامب، ويعني هذا السيناريو تعاون إسرائيل مع حلفائها وحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط لبناء نظام دفاعي مشترك لمواجهة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. وقد أعادت "الاتفاقيات الإبراهيمية" الحديث عن هذه الفكرة وعزّزتها، ولكن مشكلة هذا السيناريو أنّ واشنطن لديها بالفعل اتفاقيات دفاع ثنائية مع عدد من دول المنطقة.
وأشارت "الكتبي" إلى أنّ الأزمة الأوكرانية، وملف إمدادات الطاقة وأسعارها قد يمثّلان فرصةً حاليّةً لكلّ من دولة الإمارات والولايات المتحدة لإعادة تعريف العلاقات الاستراتيجية بينهما، والانتقال إلى إطار استراتيجي جديد يعمّق الشراكة الاستراتيجية والجيو-أمنية، ويعالج نقاط الخلاف أو أهمها، خصوصًا التهديدات الأمنية والجوانب الدفاعية، وربّما يكون ذلك في إطار ثنائي أو إقليمي، فضلًا عن التوصّل إلى تفاهمات مشتركة بشأن العلاقات مع القوى العالمية الكبرى، مؤكّدة أنّ أيّ قوى دولية أخرى لن تستطيع الحلول مكان واشنطن في توفير الضمانات الأمنية لدول الخليج العربية، ومشيرةً إلى أنّ دولة الإمارات تدرك قدراتها ودورها الحيوي على الساحتَين الإقليمية والدولية، وأنّ على الولايات المتحدة أن تُقرّ بتميز النموذج الإماراتي، ودور أبوظبي بصفتها لاعبًا إقليميًّا مهمًّا.
وأنهت "الكتبي" محاضرتها بتأكيد أنّ هناك تطورات متسارعة في النظامَين الإقليمي والدولي، وهناك بيئة استراتيجية جديدة في المنطقة والعالم تفرض التوجّه نحو حوار استراتيجي عميق يعيد ضبط العلاقات الإماراتية-الأمريكية باتجاه تعزيزها وتوسيعها ومأسستها، والانتقال بها إلى حقبة جديدة تتوطّد فيها المصالح المشتركة، وتتعمّق الثقة المتبادلة، وتترسّخ الحوكمة، ويزيد التعاون الثنائي في مواجهة التهديدات المشتركة.
وجدير بالذكر أن الدكتورة ابتسام الكتبي عُيّنت في عام 2015 عضوًا في الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، واختارتها مجلة "أريبيان بِزنس" في يوليو 2018 ضمن قائمة أكثر خمسين امرأة تأثيرًا في العالم العربي، وحصلت على العديد من الجوائز المرموقة، منها جائزة "المرأة الأكثر تميّزًا" من مؤتمر القيادات النسائية العالمية في مومباي بالهند في فبراير 2019، وجائزة "رواد التواصل الاجتماعي العرب" عن فئة السياسة، من نادي دبي للصحافة في ديسمبر 2018، ونشرت عددًا من الأوراق البحثية عن أمن الخليج، والعلاقات الخليجية-الأمريكية، والحرب ضدّ الإرهاب، وصدر لها أخيرًا كتابان: الأول بعنوان "نموذج دولة الإمارات في بناء القوة وتحولات سياستها الخارجية"، والثاني بعنوان "العودة إلى الطاولات: اتجاهات المسألة الإيرانية في عهد الرئيس بايدن"، وكلاهما صدر في العام الماضي.