د. جمال سند السويدي: أمريـكـا والعـولمــة.. بخير

  • 29 مارس 2014

بقلم: خليل علي حيدر

شغلت امريكا الدنيا على امتداد القرن العشرين، وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية و»الحرب الباردة» التي تلتها، حيث انقسم العالم الى معسكرين واشتد التنافس والصراع بين «القطبين». فهل تواصل الولايات المتحدة الامريكية الاحتفاظ بمكانتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، ومن بعد هذا بالطبع نفوذها الثقافي في قرننا الجديد هذا، أم تنافسها وربما تبزها كتل وقوى جديدة؟

كتاب الدكتور الاماراتي جمال سند السويدي «آفاق العصر الامريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، الصادر هذا العام 2014 في أبو ظبي، بمثابة ارقى استجابة لتحديات هذه الاسئلة الاستراتيجية، وابرز محاولة اكاديمية باستخدام كل الادوات البحثية المتوافرة لدراسة هذه الدولة الكبرى، وسط الظروف السياسية والاقتصادية الدولية المتلاطمة اليوم، وتقييم فرص الولايات المتحدة في التعامل معها والتغلب على مشاكلها. ذلك ان امريكا تستقطب اهتمام الدنيا في قوتها وضعفها، وفي تدخلها ولا مبالاتها، وفي رضاها وغضبها.

الكتاب في الواقع بمثابة موسوعة في 858 صفحة عن الواقع الامريكي المعاصر، في سبعة فصول وخاتمة، مع ملاحق ورسوم بيانية تفصيلية ملونة، وهوامش ثرية تقع وحدها في اكثر من 200 صفحة الدكتور «جمال السويدي» احد ابرز العقول الخليجية والعربية المفكرة الباحثة، وهو مدير عام «مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» في أبو ظبي، الذي تولى منذ تأسيسه في مارس 1994 اصدار الكثير من الكتب والترجمات والتقارير، وعقد مجموعة لا تحصى من الندوات والمحاضرات. كما ان د.السويدي استاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات العربية المتحدة، ورئيس تحرير الدورية الفصلية «رؤى استراتيجية»، ومن خريجي جامعة وسكانسون في الولايات المتحدة التي نال منها شهادة الدكتوراه سنة 1990، كما انه كتب مقالات ودراسات عدة، بالاضافة الى كتب مهمة، ألّف بعضها وشارك في تحرير بعضها الآخر.

يقول د. السويدي في مقدمة الكتاب، الذي يُعد كذلك نقطة تحول في جمال الطباعة وحسن الاعداد ضمن المطبوعات العربية، «ان النظام العالمي الجديد يتجه نحو المزيد من العولمة»، ويتساءل: هل تُعبِّر العولمة في جوهرها عن توجه عالمي الطابع أم فرضٍ قسري للنموذج الامريكي والغربي؟ هل العولمة مرادفة للتبعية الثقافية؟ وهل انتهى العصر الامريكي أم لايزال هناك افق لهذا العصر؟ وهل ستدفع التطورات المستقبلية الصين الى قبول النموذج الثقافي الامريكي وقيمه، أم سيستسلم الغرب بأكمله لثقافة الصين؟ هذه بعض اهتمامات الكتاب الرئيسية عبر فصوله، قبل ان يؤكد في خاتمة هذا السفر الزاخر بتفاصيل الواقع الامريكي المعاصر، «الفرق الكبير الذي يفصل الولايات المتحدة الامريكية القوة العظمى الوحيدة التي تتربع على قمة النظام العالمي الجديد عن بقية القوى الكبرى مثل الاتحاد الاوروبي والصين وروسيا والبرازيل والهند والدول الاخرى، التي تطمح الى منافستها ومزاحمتها في العقود والقرون المقبلة».

ويشير د. السويدي مُلخِّصاً ملاحظاته في هذا المجال، فيقول «ان ظاهرة العولمة لن تخبو اضواؤها ولن تتراجع، فالعالم يتجه الى مزيد من الترابط، ولم يعد الاندماج في الاقتصاد العالمي خيارا انتقائيا يمكن الفكاك منه». ويبرز الباحث نقطة مهمة اخرى فيقول ان اعتبار العولمة توجها غربيا بحتا لم تعد فرضية مقنعة، «وقد لا يكون من المبالغة القول ان الصين، لا الولايات المتحدة الامريكية، هي الرابح الاكبر من انتشار العولمة».

ويبدي د. السويدي اختلافه مع التيار المتشائم ازاء مستقبل الولايات المتحدة لاسباب منها «ان جميع الدراسات تقر بامتلاك الولايات المتحدة الامريكية قوة شاملة لا تحظى بها أي قوة اخرى في العالم في الوقت الراهن». وبخاصة وان الصين «لا تبدي أي رغبة في تحمل مسؤولية قيادة النظام الجديد على الاقل خلال المدى المنظور، كما ان هناك شكوكا حول امكانية تحول الصين الى النمو القائم على الابتكار، بدرجة مقاربة لحالة الاقتصاد الامريكي. فالصعود الصيني مرجح زمنيا، ولكنه لا يعني بالضرورة احلال الصين محل الولايات المتحدة الامريكية في شؤون العالم».

ويتنبأ د. السويدي بتدهور واختفاء دور الدولة – الامة، اذ «لم يعد بالامكان على سبيل المثال بلورة سياسية مالية حكومية ناجحة من دون مشاركة المصارف، ولم يعد من الممكن تأمين امدادات الطاقة اذا لم تشارك شركات النفط في اللعبة، واعتقد ان العولمة قد اسهمت فعليا في اضعاف الدولة – الامة في كثير من المجالات». ولا ينظر د. السويدي الى «الربيع العربي» من زاوية فشل الانظمة العربية واستبداد بعض قياداتها، ويرى «ان الولايات المتحدة الامريكية قد لعبت الدور الابرز في تغذية حركات الاحتجاج الشبابية ضد هذه الانظمة تمهيدا لاطاحتها بعد انتهاء مفعولها السياسي وفقا لحسابات المصالح والرؤية الاستراتيجية الامريكية لمستقبل الشرق الاوسط».

ولكن هل كان «النظام العربي» السائد قبل عام 1990 أو 2011 منسجما مع متطلبات العولمة الاقتصادية ومستلزماتها الديموقراطية والليبرالية والعلمانية وغيرها؟

ولا تفوت قضايا الطاقة ودورها في دعم الموقف الامريكي ضد منافسي الولايات المتحدة، فقد طورت امريكا واكتشفت اليوم موارد جديدة غنية للطاقة البترولية والغاز، وبذلك زادت امريكا درجة اكتفائها الذاتي من النفط، في الوقت الذي لا تتوفر فيه هذه الميزة لمنافسيها كالصين والهند، مما «سيكون لها دور مهم في ترجيح كفة الجانب الامريكي من منظور الطاقة».

ولكن اعتماد الولايات المتحدة على نفسها في مجال الطاقة قد يضعف اهتمامها بالعالم العربي والشرق الاوسط، ففوائد قوم عند قوم خسائر!

واذا تأملنا المقدمات والبيانات التي يعرضها د. جمال السويدي في كتابه القيم، فقد تجد الدول العربية نفسها بين «مطارق» واقعها التي لا ترحم، والسِّنْدان الامريكي البارد المعولم!

كتاب د. السويدي «آفاق العصر الامريكي» اضافة حقيقية قيِّمة للمكتبة العربية، ومرجع لابد منه لكل مهتم بالوضع الدولي.

رابـط المقال

.