«السراب» .. الذي لا يراه العمانيون

  • 8 أبريل 2015

بقلم: فريد أحمد حسن

أقيم في مركز عيسى الثقافي بالمنامة أخيرا حفل تدشين كتاب «السراب» للإماراتي الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاسترتيجية بأبوظبي . الكتاب يتناول ظاهرة الإسلام السياسي في إطار علمي تحليلي وموضوعي مبني على دراسات ميدانية لاتجاهات الرأي العام حول الجماعات السياسية والمتطرفة التي تستخدم الدين وسيلة لتحقيق المصالح الفئوية ، وهو مرجع رئيس غني بالمعلومات يساعد على فهم عقلية التطرف الديني وسبل التعامل معها.

كتاب «السراب» يهدف – حسب مؤلفه - إلى الكشف عن الأبعاد الفكرية الخفية والعقائدية والســياســـية والاجتماعية والأمنية للجماعـــات الدينــية الســـياسية من جـهة وعما يجري في المنطقة ويعصف بمناطق ودول عدة في العالمين العربي والإسلامي من صنوف الإرهاب والعنف والاقتتال بين أبنائها من جهة ثانية ، جراء فكرة السراب الســياسي والأوهام التي أســست لها وسوقتها الجماعات الدينية الســـياسية وهي تحتكر مبادئ الدين الحنيف وتكفر من عداها من المســـلمين وتحمل من يخالفها الرأي مسؤولية التخلف والتراجع الثقافي والحضاري للعالمين العربي والإسلامي.

المؤلف قال إن الواجب الوطني والإنساني والأخلاقي والديني ومعرفته بمسؤولية الباحث في لحظات الصراع هو الذي دفعه إلى الاصطفاف في مقدمة المدافعين عن القيم الإنسانية والحضارية لمواجهة غلاة التطرف والتنمية ، ورأى أن هذا الأمر يقتضي من الباحثين طرح رؤية بحثية وفكرية معمقة للجماعات الدينية السياسية واستراتيجياتها السياسية والفكرية والممارسات التي دأبت عليها ، وكذلك تتبع السياق التاريخي لهذه الجماعات ودراسة تكوينها ونشأتها منذ بدايتها حتى فشل تجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية والإسلامية عند وصولها إلى سدة السلطة.

هذا الكتاب المهم والذي يعتبر بحق مرجعا وجاء في الوقت المناسب سلط الضوء على مفردات الواقع الثقافي والحضاري للعالمين العربي والإسلامي الراهن وقارنها بنظيراتها في القارة الأوروبية عندما كانت أوروبا ترزح تحت وطأة التخلف والفوضى والحرب خلال حقبة العصور الوسطى ، والمثير أن المؤلف يقول إنه وجد تشابها كبيرا بين أفكار الجماعات الدينية السياسية وممارساتها في العالمين العربي والإسلامي في العصر الحديث وتلك التي كانت في العصور الوسطى من الناحيتين الفكرية والسياسية وعلاقة الدين بالسياسة ودور رجال الدين في الحقبتين مع وجود قواسم مشتركة عدة في أنماط الفكر السائدة في أوروبا خلال تلك الحقبة . وهذا استنتاج مهم وخطير ويعني أن فارقا عمره خمسة قرون يفصل بين ما كان في أوروبا وما نحن فيه اليوم أي أننا متخلفون عن أوروبا بمقدار خمسة قرون ، ما يثير سؤالا عما إذا كان العالم العربي والإسلامي بحاجة إلى خمسة قرون للوصول إلى الوعي الذي صار متوفرا في أوروبا ؟

المؤلف صاغ هذا السؤال بطريقته فقال « هل تعني هذه المفارقة أن العالمين العربي والإسلامي يخوضان معركة سبق للأوروبيين خوضها منذ نحو خمسة قرون مضت ؟ وهل يعني ذلك أن هذه القرون الخمسة تمثل المسافة الزمنية التي تفصل بين الحضارتين ؟».

جمال السويدي خلص إلى مجموعة توصيات أولها أن يعيد المسؤولون في دول مجلس التعاون والعالمين العربي والإسلامي النظر في كثير من المناهج العلمية والتربوية ، وثانيها أن تتحمل وسائل الإعلام وضمنها وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولياتها الاجتماعية والعمل بشكل جاد على نشر قيم الوسطية والاعتدال التي يؤكدها ديننا الإسلامي الحنيف ورسالته السمحة وعدالته الاجتماعية القائمة على المساواة واحترام الآخرين والكشف عن الوهم والزور والزيف والبهتان في الأفكار والشعارات التي تنادي بها الجماعات الدينية السياسية.

لست متعمقا في المجتمع العماني ولكني أكاد أن أجزم أن هذا المجتمع بعيد عن مثل هذا الصراع الفكري غير المفضي إلى مفيد وأنه سيظل كذلك فترة طويلة ، دون أن يعني هذا أنه لن يتأثر به ، ولكن ما يؤكده الواقع هو أن الإنسان العماني لا يقبل بما يزعزع أساساته ويقف أمام كل فكر جديد له علاقة بالدين على مسافة يشعر معها أنه محمي ويتأكد معها أنه لن يتعلق بما قد يتسبب في الإضرار بمجتمعه ، وهذا للأسف غير متوفر في جل المجتمعات الخليجية التي سرعان ما تأثرت بما يجري في الساحة وتكاد أن تصير جزءا منه.

رابط الخبر

.

الفعاليات المقبلة

إصدارات