"الإمارات للدراسات" يعقد عن بُعد ندوته رقم (59) حول آثار "كوفيد-19": إعادة تشكيل الاستراتيجية العالمية
- 30 أبريل 2020
- English


بتوجيهات من سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، عَقَد المركز، عن بُعد، ندوته رقم (59)، بعنوان: "آثار كوفيد-19: إعادة تشكيل الاستراتيجية العالمية"، وذلك يوم الأربعاء الموافق 29 إبريل 2020، وقد تم تنظيم هذه الندوة في إطار حرص المركز على تناول القضايا الاستراتيجية المهمة؛ حيث تُعَدُّ جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، التي غزت العالم بشكل فجائي، وحولته إلى ما يشبه الجزر المنعزلة، قضية بالغة الأهمية بالنسبة إلى دول الخليج العربية ومنطقة الشرق الأوسط والعالم، وخاصة في ظل التداعيات الخطيرة التي تمخَّضت عنها، والجهود العالمية التي تسابق الزمن لمجابهتها، حتى يعود العالم إلى حركته الطبيعية التي توقفت تحت ضغط هذه التداعيات غير المسبوقة.
وشملت الندوة أربع جلسات رئيسية، كانت الأولى بعنوان "الرؤية الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية بشأن الوباء"، وتحدثت فيها الدكتورة ريانا بو حاكا، مدير برنامج التركيز والدعم القطري - المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، جمهورية مصر العربية، عن نظرة منظمة الصحة العالمية المستقبلية لجائحة كورونا وآثارها على الصعيد الإقليمي، وقالت في مداخلتها إن أزمة جائحة كوفيد- 19 أكدت هشاشة نظم الرعاية الصحية في بعض دول الشرق الأوسط، والأخطر أنها أظهرت هشاشة المجتمعات نفسها في بعض هذه الدول، مضيفة أن هناك بؤراً لتفشي المرض في المنطقة، كما هي الحال في إيران. وأشارت حاكا إلى أن الوضع ليس خطيراً في معظم الأحوال، ولكن هناك حالات تثير قلقاً كبيراً، وخاصة تلك الدول التي تعاني أزمات مختلفة، وأكدت حاكا أن منظمة الصحة العالمية تقوم بجهود مضنية لمواجهة هذه الأزمة الخطيرة التي أفرزتها هذه الجائحة.
وفي الجلسة الثانية، التي حملت عنوان "تأثيرات جائحة كورونا في النظام الاقتصادي الدولي"، ناقشت الدكتورة شيرلي يو، كبيرة الزملاء الزائرين، كلية لندن للاقتصاد، زميل آسيا، مركز آش، جامعة هارفارد، أبرز التأثيرات الاقتصادية الدولية لجائحة كورونا؛ حيث أكدت أن هذه الجائحة أفرزت الكثير من التداعيات السلبية على الاقتصاد الدولي، مشيرة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في الصين قد تراجع في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 6.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في الوقت الذي تؤكد فيه الكثير من التوقعات الموثوق بها أن الانكماش في الاقتصاد الأمريكي، وبعض الاقتصادات الأوروبية، سيتضاعف خلال الربع الثاني من العام الحالي، وقالت يو إنه من الصعب وضع جدول زمني لتعافي الاقتصاد الدولي من تداعيات هذه الأزمة، في ظل حالة عدم اليقين السائدة حالياً بشأنها. وتحدثت يو عن الاستثمارات الصينية؛ فقالت إن بكين استثمرت 150 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال مبادرة الحزام والطريق، وأضافت أن الصين أنشات أكبر برج لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم بدولة الإمارات العربية المتحدة.
أما الجلسة الثالثة، التي حملت عنوان: "كيف سيتطور التعليم بعد أزمة جائحة كورونا؟"؛ فقد ناقشت فيها الدكتورة بورنيما لوثرا، مؤسس وكبير المستشارين، تالنت إي دي للاستشارات، هيئة التدريس الخارجية بكلية الأعمال في كوبنهاجن، مملكة الدنمارك، رؤية مستقبل التعليم في العالم، وسبل تطويره بعد تجاوز الأزمة الراهنة التي خلفتها جائحة فيروس كورونا المستجد؛ وقالت: إن هذه الجائحة تركت تأثيراتها الكبيرة على صناعة التعليم حول العالم؛ فهناك نحو 1.38 مليار طالب لا يذهبون إلى المدارس والجامعات حالياً، ويتلقون التعليم عن بعد، بعد إغلاق مؤسسات التعليم المختلفة حول العالم. وأكدت لوثرا أن تطبيق نظام التعليم عن بعد يفرض ضرورة تقديم التعليم بشكل مختلف وغير تقليدي، من خلال شبكة الإنترنت، وهي مزدحمة بالمعلومات التي يمكن للطالب الاطّلاع عليها؛ وهنا يثور التساؤل حول ما يمكن أن يقدمه المعلم إلى الطالب في ظل هذا النظام، وهذا التساؤل يعني ضرورة إيجاد طرق مختلفة لإعداد المعلم بطريقة خلّاقة تكسبه المهارات المطلوبة، للتعامل مع هذا الواقع المتغير للعملية التعليمية. وقالت لوثرا إن جائحة فيروس كورونا المستجد قد تمخض عنها الكثير من التحديات؛ وهو ما يفرض تعميق نظام التعليم متعدد التخصصات، القادر على التعامل بشكل جيد مع التحديات كافة، التي يمكن أن تفرزها أوبئة، أو أزمات مماثلة. وأشارت لوثرا إلى أن بعض الدول ألغت الامتحانات بأسلوبها التقليدي للصف الثاني عشر؛ وهو ما يحتّم على الجامعات تغيير نظم ومعايير القبول فيها، وأضافت أن هذه الجائحة سوف تترك تأثيراتها العميقة بشأن ما يجب أن نعلّمه من مهارات خاصة للطلاب في المسقبل. وأنهت لوثرا حديثها بالقول إن جائحة كوفيد-19 سلطت الضوء على إشكالية عدم تساوي جودة التعليم وفرص الحصول عليه على الصعيد العالمي بين الدول المختلفة، وأبرزت الفجوة الرقمية الموجودة بين هذه الدول، وهذه الإشكالية تتطلب لعلاجها تعاوناً عالمياً، وشراكة فاعلة بين المؤسسات العامة والخاصة؛ حتى يحصل كل الطلاب حول العالم على تعليم منصف؛ ذلك أن التعليم من أقوى الأسلحة التي يمكن استخدامها لتغيير العالم، كما قال الزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا.
أما الجلسة الرابعة؛ فكانت بعنوان "المخاطر السياسية والأمنية في ظل جائحة كورونا"؛ حيث ناقشت كيرستن فونتنروز، مديرة مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط، المجلس الأطلسي، الولايات المتحدة الأمريكية، الآثار السياسية والأمنية التي ظهرت نتيجة انتشار وباء كورونا في العالم. وقد أكدت فونتنروز في هذا السياق ستة مخاطر أساسية، منها زيادة خطر الهجمات السيبرانية، وهو خطر قائم بالفعل، ويهدد عدداً من الدول في مناطق مختلفة من العالم، ومنها خطر قيام بعض الدول، في ظل التأثيرات التي أفرزتها الجائحة، بتخفيض عدد قواتها الموجودة في بعض دول الشرق الأوسط؛ لأن ذلك ستكون له انعكاساته السلبية على الاستقرار الإقليمي، كما تحدثت فونتنروز عن خطر عودة الجماعات المتطرفة في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة. وأشارت إلى أن تنظيم "داعش" نشط مؤخراً، وهدَّد بشن عمليات إرهابية واستهداف الدول الغربية. وقالت فونتنروز إن جائحة كورونا ستكون لها تأثيراتها السلبية في شكل الإمدادات الدفاعية؛ حيث إن هناك بعض المصانع تم إغلاقها، مشيرة كذلك إلى تأثيرات مشابهة لطبيعة استراتيجية الحرب الاقتصادية في الصين، التي تهدف إلى احتكار الموارد الحيوية لمنع خصومها من الابتكار. وأشارت إلى أنه من بين المخاطر السياسية والأمنية، في ظل جائحة كورونا أيضاً، أن كثيراً من الدول ستخصص موارد كثيرة للبحوث العلمية وقطاع الرعاية الصحية والطبية، لمواجهة الأوبئة؛ وهذا الأمر ستكون له مردوداته السلبية لجهة استجابة بعض الدول لحاجات مواطنيها، كما هو متوقع في كل من إيران وروسيا، كما أن من هذه المخاطر أخيراً ما يمكن أن يؤدي إليه التضليل الخاص بالمعلومات المتوافرة حول هذه الجائحة؛ حيث قالت فونتنروز إن الصين تعمد إلى إغراق العالم والشرق الأوسط بمعلومات غير موثوق بها حول تعاملها مع هذه الأزمة، وتزعم أحياناً أن الفيروس هو سلاح بيولوجي استخدمه الجيش الأمريكي ضدها؛ وهذا الأمر له تأثيراته السلبية فيما يخص حشد الجهود لمواجهة التحديات الخطيرة التي خلفتها هذه الجائحة، والمشكلة أن بعض صناع القرار قد يصدقون مثل هذه المزاعم؛ ما سيؤدي بهم إلى اتخاذ قرارات غير صائبة؛ تسبب زيادة المخاطر السياسية والأمنية التي ستخلّفها الجائحة. وأنهت فونتنروز حديثها بمناقشة تطورات العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران؛ فقالت إن واشنطن لم تخفف القيود التي تفرضها على طهران حتى في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا لسبيين: أولهما أن إيران تحصل بالفعل على ما تريده من إمدادات طبية خاصة بمواجهة هذه الجائحة، ولا تواجه مشكلة في ذلك مع استمرار هذه القيود. وثانيهما أن طهران لا تتبع سياسة شفافة فيما يخص قضية غسل الأموال، مؤكدة أن عقلية النظام الحاكم في طهران لا تزال تتميز بأنها عقلية حرب، وأن وكلاءها في الخارج لا يزالون يقومون بدورهم المزعزع للاستقرار الإقليمي. وشددت فونتنروز على الدور الذي يمكن أن تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لدعم عملية الاستقرار الإقليمي، وخفض حدة التوتر القائم.
والجدير بالذكر أن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، منذ بداية أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، يبذل جهوداً متواصلة، بصفته مركزَ تفكير رائداً؛ لدعم عملية صنع القرار في الدولة بخصوص هذه الأزمة، من خلال دعم الجهود التي تبذلها الجهات المتخصصة في الدولة، وذلك بإعداد دراسات وبحوث وأوراق تقدير موقف وأوراق سياسات. كما يقوم المركز، من خلال نشراته التحليلية وموقعه الإلكتروني، بمتابعة دورية دقيقة للتحديات التي خلَّفتها هذه الأزمة، وقد تم اختيار المركز لإدارة منصة إلكترونية من قبل الهـيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث؛ وهو ما يعكس الثقة التي يحظى بها المركز لدى مؤسساتنا الوطنية.